بيان البشرى الكبرى للنّعيم الأعظم ومفاجأة الشفاعة..
{ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ } صدق الله العظيم [هود:106-107]
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدي مُحمد رسول الله صلى الله عليه وآله الأطهار والسابقين الأنصار في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين..
السلام عليكم أحبتي الأنصار قلباً وقالباً السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وخلاصة الحوار بين المهدي وأبي حمزة نلقيها على شكل أسئلة حتى يتسنى له فهم الحق إن كان يُريد الحق ليتبعه، وهي كما يلي:
سـ1ـ يا أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني فهل تنفع التوبة والإيمان بالله لمن مات وهو من الكافرين أو لمن مات من المؤمنين وهو لم يتب إلى الله متاباً من كبائر الإثم والفواحش؟ فنرجو فتواك مُباشرة من مُحكم القرآن العظيم.
والجواب من الإمام المهدي ناصر مُحمد اليماني، وأقول قال الله تعالى: { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ } صدق الله العظيم، وإليكم الإجابة بالفتوى الحق من رب العالمين:{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١٧﴾ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18) } صدق الله العظيم [النساء]
سـ2ـ يا أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني، فهل هذا يعني أن الله قد حكم عليهم حُكماً نهائياً بالخلود في نار جهنم إلى ما لا نهاية وعليهم أن يستيئسوا من رحمة الله؟
جـ2ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿١٠٢﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴿١٠٤﴾ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيد(107) } صدق الله العظيم [هود]
سـ3ـ يا أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني فهل لو اعتقدنا أن الله لا ينبغي لهُ أن يغفر لهم فيرحمهم أبداً فهل هذا الإعتقاد يتعارض مع الإيمان بصفة قدرة الله المُطلقة نظراً لقول الله تعالى: { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } صدق الله العظيم [هود:107]
جـ3 { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } صدق الله العظيم [المائدة:40]
سـ4ـ إذاً فإذا أفتينا أهل النار أنه لا يمكن أن يُخرجهم الله من النار أبداً فقد أفتيناهم باليأس المُطلق من رحمة الله وتعدينا على صفة قدرة الله المُطلقة لأن الله على كُل شيءٍ قدير فعالٌ لما يُريد لا يُسأل عما يفعل ولكن فهل يمكن أن يرحمهم الله من ذات نفسه أم لا بُد من السبب أن يأتي من عند أنفسهم حتى يرحمهم ربهم إن يشاء وهو الغفور الرحيم؟
جـ4ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ } [النمل:62]
وقال الله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60] صدق الله العظيم.
سـ5ـ مهلاً مهلاً أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني فهل معنى هذا أن الله لا يغلق باب الدُعاء عن عبيده الكافرين في الآخرة؟
جـ5ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } صدق الله العظيم [الأعراف:47]
سـ6ـ فهل الله استجاب دعوتهم فرحمهم وأدخلهم جنته؟
جـ6ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } صدق الله العظيم [الأعراف:49]، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } صدق الله العظيم [غافر:60]
سـ7ـ ولكن أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني أفلا تفتينا من هم هؤلاء الكفار الذين هم على الأعراف بين الجنة والنار ودعوا ربهم أن لا يجعلهم مع أهل النار فاستجاب لهم؟ فلماذا لم يجعلهم من قبل مع أهل النار؟
جـ7ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا } صدق الله العظيم [الإسراء:15]
سـ8ـ أيها الإمام فهل هؤلاء الذين دعوا ربهم فاستجاب لهم من الكفار الذين ماتوا قُبيل مبعث رُسل الله إلى قراهم؟
جـ8ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } صدق الله العظيم [النساء:165]
سـ9ـ إذاً إنَّ لهم حُجة على ربهم كونهم من الذين ماتوا قبل أن يأتيهم رُسول من ربهم كمثل والد مُحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو مُؤكدٌ أنه من أهل الأعراف الذين استجاب الله دعوتهم فلم يُعذبهم، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا } صدق الله العظيم [الإسراء:15]. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: فهل هذا يعني أن كذلك لو يدعو ربَّهم الكفارُ الذين أقيمت عليهم الحُجة بمبعث الرُسل، فهل يحق لهم أن يدعوا الله كما دعاه هؤلاء فاستجاب لهم؟
جـ9ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ ﴿٤٩﴾ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَىٰ قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ(50)} صدق الله العظيم [غافر]
سـ10ـ فأين الفتوى للكفار أصحاب النار أن يدعوا ربهم في هذه الآية؟
جـ10ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } صدق الله العظيم [غافر:50]
سـ11ـ فما هو البيان لقول الله: { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } صدق الله العظيم، فهل لأنهم يدعون غير الله ليشفعوا لهم عند ربهم ليخفف عنهم يوم من العذاب؟
جـ11ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ } صدق الله العظيم [غافر:49]
سـ12ـ إذاً ضلالهم لأنهم يدعون غير الله هل استجابوا لهم ملائكة الرحمن المُقربين؟
جـ12ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴿١٣﴾ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ(14)} صدق الله العظيم [الرعد]. وقال الله تعالى: { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } صدق الله العظيم [الرعد:16]
سـ13ـ فما دام الملائكة لم يجرُؤوا أن يلبوا دُعاء الكفار من أصحاب النار فهل يعني هذا أن ملائكة الرحمن لم يجُرؤوا أن يخاطبوا ربهم ليخفف عن أصحاب النار يوماً من العذاب برغم أنهم ملائكة الرحمن المُقربين فهل يعني هذا أنه لا ينبغي لهم أن يخاطبوا ربهم في شأن أصحاب النار ليخفف عنهم يوم من العذاب؟
جـ13ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } صدق الله العظيم [النساء:109]
سـ14ـ إذاً فلا يحق لعبد أن يُجادل الله في عباده يوم القيامة حتى ولو يُريد أن يسأله بحق رحمته، بل يحق للعبيد أن يقولوا ما قاله رسول الله المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118]، بمعنى أن العبد ليس بأرحم بالعبيد من الله أرحم الراحمين بل كما قال رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [إبراهيم:36]، فليس عبدك أرحم بعبادك منك بل أنت ربهم أرحم بهم من عبدك ووعدك الحق وأنت أرحم الراحمين وبما أن ملائكة الرحمن المُقربين خزنة جهنم قالوا لأصحاب النار: { قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } صدق الله العظيم [غافر:50]، بمعنى أن يدعوا ربهم لأن دُعاءهم لعبيده من دونه ليشفعوا لهم عند ربهم الذي هو أرحم بهم من عبيده يعتبر في ضلال مُبين كون ذلك نُكراناً لصفة رحمة الله في نفسه أنهُ أرحم الراحمين! فكيف يتشفعون بمن هم أدنى رحمةً من الله أرحم الراحمين! ولذلك دُعاؤهم لعبيده من دونه في ضلال، ولذلك قال ملائكة الرحمن لأصحاب النار: { قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } صدق الله العظيم [غافر:50]، أي فادعوا الله أرحم بكم من عبيده ووعده الحق وهو أرحم الراحمين ولم يفقه ذلك أصحاب النار. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: فلو دعوا ربهم فهل يحق لهم أن يدعوه أن يخرجهم فيعيدهم إلى الدُنيا ليعملوا غير الذي كانوا يعملون فهل ذلك الدُعاء حُجة لهم على ربهم فيجيبهم؟
جـ14ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } صدق الله العظيم [النساء:165]
سـ15ـ إذاً فلن يجيبهم الله كون ذلك الدُعاء ليس حُجةً لهم على ربهم بل الحُجة لله عليهم بعد أن أرسل إليهم رُسله فكذبوهم. تصديقاً لقول الله تعالى: { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } صدق الله العظيم [النساء:165]. والسؤال الذي يطرح نفسه بالضبط هو: فما هو الدُعاء الذي يكون فيه حُجةً لهم على ربهم؟
جـ15ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، بل يقولوا: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } صدق الله العظيم [الأعراف:23]
سـ16ـ فهل حُجة العبيد على الرب المعبود يوم القيامة هي رحمته التي كتب على نفسه ومن لم يؤمن بذلك فقد خسر نفسه ولن يجد له من يرحمة من بعد الله شيئاً؟
جـ16ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } صدق الله العظيم [الأنعام:12]
سـ17ـ الآن تبين لنا لماذا قال الكافرون: { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } صدق الله العظيم [الأعراف:53]. وذلك لأنهم من رحمة الله يائسون ويعتقدون أنه لا يوجد حل إلا أن يشفع لهم عباد الله المُقربون أو يعيدهم الله إلى الدُنيا ليعملوا غير الذي كانوا يعملون، إذاً فهم من رحمة الله يائسون ولذلك لم يسألوا ربهم رحمته التي كتب على نفسه ويقولون إنك على كُل شيءٍ قدير، تصديقاً لقول الله تعالى: { أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} صدق الله العظيم [المائدة:40]
ويا معشر من أظهره الله على أمرنا، إني أستحلفك بالله لئن أماتك الله فدخلت النار أن تقول لأصحاب النار إن الإمام المهدي يقول لكم إن كانت لله حُجةً عليكم ظُلمكم لأنفسكم بعمل السوء فاعلموا إن الحُجة لكم على ربكم هي أكبر لو تؤمنوا أن الله هو حقاً أرحم الراحمين فتستيئسوا من رحمة عبيده جميعاً فتقولوا: وكيف ننتظر إلى يوم القيامة لعبيد الله المُقربين ليشفعوا لنا؟ فها أنتم تدعون خزنة جهنم أن يشفعوا لكم عند الله ولم يفعلوا، فكذلك عبيد الله المُقربون جميعاً لن يجرُؤوا أن يشفعوا لكم بين يدي ربكم يوم القيامة؛ بل سوف يقول الله لكم { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ } [يونس:28]. بمعنى أنكم لا تزالون تعتقدون أن عبادي المُقربين سيشفعوا لكم عند ربكم ولذلك تنتظرون لشفاعتهم لكم يوم القيامة.
تعالوا لننظر إلى النتيجة في علم الغيب في الكتاب، وقال الله: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(30) } صدق الله العظيم [يونس]
ومن ثم لم يفقه الكافرون ما يُريده الله منهم أن يسألوا ربهم مُباشرةً الذي هو أرحم بهم من عباده وحتى يقتنعوا من رحمة عبيده من دونه قال للمُشركين أن يدعوهم أن يشفعوا لهم عند ربهم لينظروا هل سوف يستجيبوا لهم، وقال الله تعالى: { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا } صدق الله العظيم [الكهف:52]. بل كفروا بشركهم وكانوا عليهم ضداً، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ﴿٨١﴾ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا(82)} صدق الله العظيم [مريم]
فقد كفروا بشركهم بالله بسبب المبالغة فيهم من بعد موتهم: { وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } صدق الله العظيم [يونس]. حتى إذا رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ليعلموا أن لا ملجأ لهم من عذاب ربهم إلا إليه أن يغفر لهم برحمته ولكنهم لم يتجرأوا أن يسألوا الله ذلك وخشعت الأصوات للحي القيوم لا تسمع إلا همساً.
وفجأةً..
تفاجأوا بعبدٍ يأذن الله له أن يخاطب ربه فإذا هو يُزيدهم هماً بغم فيرفع عليهم قضية عند ربهم أنهم حالوا بينه وبين تحقيق النعيم الأعظم ويرفض خلافة ربه على الملكوت، ويرفض دخول جنة ربه ويحاج ربه أن يُحقق له النعيم الأعظم من نعيم جنته. فإذا بالله يقول:عبدي ألم أجعلك خليفة ربك الشامل من قبل على ملكوت الدُنيا؟ وها أنا أجعلك خليفة ربك على ملكوت الآخرة؟ فإذا هو يقول: أعوذُ بك ربي أن أرضى بذلك حتى تُحقق لي النعيم الأعظم من ذلك كُله. فينظر أصحاب اليمين وأصحاب الشمال والمقربون إلى هذا الرجل ومن حشرهم الله في زمرته فإذا هم يرون زمرته يضحكون بالتبسم من دهشة عباد الله الصالحين لأنهم يعلمون بحقيقة اسم الله الأعظم وهم لا يزالون في الدُنيا؛ بل حقيقة اسم الله الأعظم هي الآية التي جعلها الله في قلوبهم حتى أيقنوا بحقيقة هذا العبد. وأما سبب تبسمهم هو لأنهم يعلمون بالمقصود من طلب هذا العبد لربه بتحقيق النعيم الأعظم؛ لأنهم سمعوا هذا العبد يعتذر لربه عن الخلافة على ملكوت الجنة ويُريد أن يحقق له النعيم الأعظم، مما أدهش ذلك الخطاب من العبد إلى الرب حتى عباد الله الصالحين فقالوا: ماذا يبغي وقد جعله الله خليفته على الملكوت كُلة في الدُنيا والآخرة؟! فإذا كان الله استخلف آدم على جنة لله في الأرض، فقد جعل الله هذا العبد خليفته على جنة المأوى فأي نعيم يُريد أعظم مما أعطاه الله إياه؟ فقد أعطاه ما لم يؤتِه لعبد في الوجود كُله! فهل هذا العبد قد أصابه الغرور ويُريد أن يكون هو الرب؟! فما خطبه وماذا دهاه إذ يرفض أن يكون خليفة ربه على جنة الملكوت الأعظم ويُريد تحقيق النعيم الأعظم منها، فأي نعيم هو أعظم من جنة النعيم؟! فيا للعجب في أنفسهم من غير تكلم، بل الدهشة ظاهرة على وجوههم مما أضحك ذلك زمرة هذا العبد فتراهم مُتبسمين وهم قائمون في زمرته بين يدي ربه إذ يحاج باسمه وباسمهم ربه أن يحقق له النعيم الأعظم، ويشكو إليه الكافرين الذين حالوا بينه وبين تحقيق النعيم الأعظم فلم يُجِبه ربه بعد!! ومن ثم جثى على أرض المحشر يبكي بكاءًا مريراً ويدعو ثبوراً كثيراً ويقول:(( يا حسرتي على نعيمي الأعظم فلمَ خلقتني يا إلهي واظُلماه فقد ظلمني عبادك الكافرون وحالوا بيني وبين تحقيق النعيم الأعظم يا من حرَّمت الظُلم على نفسك فما ذنب عبدك يا إلهي؟ )).
فأما الكافرون فظنوا أن يُفعل بهم فاقرة أكبر مما هم فيه بسبب هذا العبد الذي يرفع عليهم قضية إلى ربهم لم يعقلوه، وأما الصالحون فأصابتهم الدهشة من الخطاب لهذا العبد لربه برغم أنهُ القول الصواب!
فإذا بالمُفاجأة الكُبرى تأتي من الله أرحم الراحمين فيأذن لعبده وعباده جميعاً أن يدخلوا جنته فقد صار راضياً في نفسه ليتحقق النعيم الأعظم لعبده ومن على شاكلته من زُمرته، فسمع ذلك الكافرون أن الله قد رضي في نفسه على عباده فأدخلهم جميعاً في رحمته فأذن لعبده وجميع عباده أن يدخلوا جنته، ومن ثم يتفاجأ الكافرون من أهل النار، وقالوا لذلك العبد وزمرته: { قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } صدق الله العظيم [سبأ:23]
ومن ثم يتحقق النعيم الأعظم..
فذلك شأن المهدي المُنتظر الذي تجهلون قدره ولا تحيطون بسره الذي سوف يجعل الناس أُمةً واحدةً على صراطٍ مُستقيم فهو الوحيد الذي تحقق هُدى البشر في عصره جميعاً فهدى الله من أجله من في الأرض جميعاً لأنه يعبد رضوان نفس ربه كغاية وليس كوسيلة، وكيف يكون الله راضياً في نفسه حتى يُدخل عباده في رحمته! ولذلك خلقهم سبحانه ليعبدوا رضوان نفسه وتجدون الفتوى من الله عن بعث الإمام المهدي المُنتظر الذي سوف يهدي الله من أجله أهل الأرض جميعاً فيجعلهم أُمةً واحدةً على صراطٍ مُستقيم فتجدوا البُشرى ببعثه في قول الله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } صدق الله العظيم [هود:118-119]
وفي هذا الموضع يُفتيكم الله أنه ما قط تحقق هُدى الناس جميعاً في عصر بعث الأنبياء والمُرسلين بل لا يزالون مُختلفين فريقاً هدى الله وفريقاً حقت عليه الضلالة، ومن ثم استثنى بعث المهدي المُنتظر بقوله: { إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } صدق الله العظيم. أي إلا من رحمه الله فهدى من أجله أهل الأرض جميعاً فجعلهم أُمةً واحدةً على صراطٍ مُستقيم.
ولربما يود أحد السائلين أن يقاطعني فيقول: ما دامت في هذه الآية البُشرى من الله ببعث الإمام المهدي أفلا تفصّل لنا من القرآن البيان لهذه الآية في قول الله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } صدق الله العظيم [هود]. ومن ثم يرُد عليه الإمام المهدي بالحق حقيقٌ لا أقول إلا الحق، فأما البيان لقول الله تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } فتجدون بيان ذلك في قول الله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } صدق الله العظيم [يونس:99]، ومن ثم يكونون أمة واحدة على صراط مُستقيم.
وأما البيان الحق لقول الله تعالى: { وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } وتجدون البيان في قول الله تعالى: { فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُون } صدق الله العظيم [الأعراف:30]، ويقصد في عصر بعث الرُسل جميعاً من أولهم إلى خاتمهم فلم يتحقق هُدى أهل الأرض جميعاً فلا يزالون مُختلفين؛ أي فريقاً هدى الله وفريقاً حقت عليه الضلالة، ومن ثم نأتي إلى قول الله تعالى: { إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } صدق الله العظيم، أي إلا من رحم ربك فهدي الناس جميعاً من أجله ليتحقق له النعيم الأعظم من جنته، ولذلك خلقهم ليعبدوا نعيم رضوان نفس ربهم عليهم، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } صدق الله العظيم [الذاريات:56]
فما غركم في بعث الإمام المهدي يا أحباب قلبي المُسلمين؟ واقسمُ بالله العظيم الذي يهديني وإياكم إلى الصراط المُستقيم رب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم الذي يحيي العظام وهي رميم والذي أهلك عاداً بالريح العقيم أني الإمام المهدي المُنتظر خليفة الله على العالمين شئتم أم أبيتم! فإن أبيتم فسوف يُظهرني الله عليكم بعذاب يوم عقيم ومن ثم تؤمنون جميعاً فيمتعكم إلى حين ومن ثم تصيب البطشة الكُبرى قوماً مُجرمين، ولكن أكثركم لا يعلمون.
{ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ } صدق الله العظيم [هود:106-107]
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدي مُحمد رسول الله صلى الله عليه وآله الأطهار والسابقين الأنصار في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين..
السلام عليكم أحبتي الأنصار قلباً وقالباً السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وخلاصة الحوار بين المهدي وأبي حمزة نلقيها على شكل أسئلة حتى يتسنى له فهم الحق إن كان يُريد الحق ليتبعه، وهي كما يلي:
سـ1ـ يا أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني فهل تنفع التوبة والإيمان بالله لمن مات وهو من الكافرين أو لمن مات من المؤمنين وهو لم يتب إلى الله متاباً من كبائر الإثم والفواحش؟ فنرجو فتواك مُباشرة من مُحكم القرآن العظيم.
والجواب من الإمام المهدي ناصر مُحمد اليماني، وأقول قال الله تعالى: { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ } صدق الله العظيم، وإليكم الإجابة بالفتوى الحق من رب العالمين:{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١٧﴾ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18) } صدق الله العظيم [النساء]
سـ2ـ يا أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني، فهل هذا يعني أن الله قد حكم عليهم حُكماً نهائياً بالخلود في نار جهنم إلى ما لا نهاية وعليهم أن يستيئسوا من رحمة الله؟
جـ2ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿١٠٢﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴿١٠٤﴾ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيد(107) } صدق الله العظيم [هود]
سـ3ـ يا أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني فهل لو اعتقدنا أن الله لا ينبغي لهُ أن يغفر لهم فيرحمهم أبداً فهل هذا الإعتقاد يتعارض مع الإيمان بصفة قدرة الله المُطلقة نظراً لقول الله تعالى: { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } صدق الله العظيم [هود:107]
جـ3 { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } صدق الله العظيم [المائدة:40]
سـ4ـ إذاً فإذا أفتينا أهل النار أنه لا يمكن أن يُخرجهم الله من النار أبداً فقد أفتيناهم باليأس المُطلق من رحمة الله وتعدينا على صفة قدرة الله المُطلقة لأن الله على كُل شيءٍ قدير فعالٌ لما يُريد لا يُسأل عما يفعل ولكن فهل يمكن أن يرحمهم الله من ذات نفسه أم لا بُد من السبب أن يأتي من عند أنفسهم حتى يرحمهم ربهم إن يشاء وهو الغفور الرحيم؟
جـ4ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ } [النمل:62]
وقال الله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60] صدق الله العظيم.
سـ5ـ مهلاً مهلاً أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني فهل معنى هذا أن الله لا يغلق باب الدُعاء عن عبيده الكافرين في الآخرة؟
جـ5ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } صدق الله العظيم [الأعراف:47]
سـ6ـ فهل الله استجاب دعوتهم فرحمهم وأدخلهم جنته؟
جـ6ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } صدق الله العظيم [الأعراف:49]، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } صدق الله العظيم [غافر:60]
سـ7ـ ولكن أيها الإمام ناصر مُحمد اليماني أفلا تفتينا من هم هؤلاء الكفار الذين هم على الأعراف بين الجنة والنار ودعوا ربهم أن لا يجعلهم مع أهل النار فاستجاب لهم؟ فلماذا لم يجعلهم من قبل مع أهل النار؟
جـ7ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا } صدق الله العظيم [الإسراء:15]
سـ8ـ أيها الإمام فهل هؤلاء الذين دعوا ربهم فاستجاب لهم من الكفار الذين ماتوا قُبيل مبعث رُسل الله إلى قراهم؟
جـ8ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } صدق الله العظيم [النساء:165]
سـ9ـ إذاً إنَّ لهم حُجة على ربهم كونهم من الذين ماتوا قبل أن يأتيهم رُسول من ربهم كمثل والد مُحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو مُؤكدٌ أنه من أهل الأعراف الذين استجاب الله دعوتهم فلم يُعذبهم، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا } صدق الله العظيم [الإسراء:15]. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: فهل هذا يعني أن كذلك لو يدعو ربَّهم الكفارُ الذين أقيمت عليهم الحُجة بمبعث الرُسل، فهل يحق لهم أن يدعوا الله كما دعاه هؤلاء فاستجاب لهم؟
جـ9ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ ﴿٤٩﴾ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَىٰ قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ(50)} صدق الله العظيم [غافر]
سـ10ـ فأين الفتوى للكفار أصحاب النار أن يدعوا ربهم في هذه الآية؟
جـ10ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } صدق الله العظيم [غافر:50]
سـ11ـ فما هو البيان لقول الله: { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } صدق الله العظيم، فهل لأنهم يدعون غير الله ليشفعوا لهم عند ربهم ليخفف عنهم يوم من العذاب؟
جـ11ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ } صدق الله العظيم [غافر:49]
سـ12ـ إذاً ضلالهم لأنهم يدعون غير الله هل استجابوا لهم ملائكة الرحمن المُقربين؟
جـ12ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴿١٣﴾ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ(14)} صدق الله العظيم [الرعد]. وقال الله تعالى: { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } صدق الله العظيم [الرعد:16]
سـ13ـ فما دام الملائكة لم يجرُؤوا أن يلبوا دُعاء الكفار من أصحاب النار فهل يعني هذا أن ملائكة الرحمن لم يجُرؤوا أن يخاطبوا ربهم ليخفف عن أصحاب النار يوماً من العذاب برغم أنهم ملائكة الرحمن المُقربين فهل يعني هذا أنه لا ينبغي لهم أن يخاطبوا ربهم في شأن أصحاب النار ليخفف عنهم يوم من العذاب؟
جـ13ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } صدق الله العظيم [النساء:109]
سـ14ـ إذاً فلا يحق لعبد أن يُجادل الله في عباده يوم القيامة حتى ولو يُريد أن يسأله بحق رحمته، بل يحق للعبيد أن يقولوا ما قاله رسول الله المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118]، بمعنى أن العبد ليس بأرحم بالعبيد من الله أرحم الراحمين بل كما قال رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [إبراهيم:36]، فليس عبدك أرحم بعبادك منك بل أنت ربهم أرحم بهم من عبدك ووعدك الحق وأنت أرحم الراحمين وبما أن ملائكة الرحمن المُقربين خزنة جهنم قالوا لأصحاب النار: { قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } صدق الله العظيم [غافر:50]، بمعنى أن يدعوا ربهم لأن دُعاءهم لعبيده من دونه ليشفعوا لهم عند ربهم الذي هو أرحم بهم من عبيده يعتبر في ضلال مُبين كون ذلك نُكراناً لصفة رحمة الله في نفسه أنهُ أرحم الراحمين! فكيف يتشفعون بمن هم أدنى رحمةً من الله أرحم الراحمين! ولذلك دُعاؤهم لعبيده من دونه في ضلال، ولذلك قال ملائكة الرحمن لأصحاب النار: { قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } صدق الله العظيم [غافر:50]، أي فادعوا الله أرحم بكم من عبيده ووعده الحق وهو أرحم الراحمين ولم يفقه ذلك أصحاب النار. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: فلو دعوا ربهم فهل يحق لهم أن يدعوه أن يخرجهم فيعيدهم إلى الدُنيا ليعملوا غير الذي كانوا يعملون فهل ذلك الدُعاء حُجة لهم على ربهم فيجيبهم؟
جـ14ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } صدق الله العظيم [النساء:165]
سـ15ـ إذاً فلن يجيبهم الله كون ذلك الدُعاء ليس حُجةً لهم على ربهم بل الحُجة لله عليهم بعد أن أرسل إليهم رُسله فكذبوهم. تصديقاً لقول الله تعالى: { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } صدق الله العظيم [النساء:165]. والسؤال الذي يطرح نفسه بالضبط هو: فما هو الدُعاء الذي يكون فيه حُجةً لهم على ربهم؟
جـ15ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، بل يقولوا: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } صدق الله العظيم [الأعراف:23]
سـ16ـ فهل حُجة العبيد على الرب المعبود يوم القيامة هي رحمته التي كتب على نفسه ومن لم يؤمن بذلك فقد خسر نفسه ولن يجد له من يرحمة من بعد الله شيئاً؟
جـ16ـ { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ }، وقال الله تعالى: { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } صدق الله العظيم [الأنعام:12]
سـ17ـ الآن تبين لنا لماذا قال الكافرون: { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } صدق الله العظيم [الأعراف:53]. وذلك لأنهم من رحمة الله يائسون ويعتقدون أنه لا يوجد حل إلا أن يشفع لهم عباد الله المُقربون أو يعيدهم الله إلى الدُنيا ليعملوا غير الذي كانوا يعملون، إذاً فهم من رحمة الله يائسون ولذلك لم يسألوا ربهم رحمته التي كتب على نفسه ويقولون إنك على كُل شيءٍ قدير، تصديقاً لقول الله تعالى: { أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} صدق الله العظيم [المائدة:40]
ويا معشر من أظهره الله على أمرنا، إني أستحلفك بالله لئن أماتك الله فدخلت النار أن تقول لأصحاب النار إن الإمام المهدي يقول لكم إن كانت لله حُجةً عليكم ظُلمكم لأنفسكم بعمل السوء فاعلموا إن الحُجة لكم على ربكم هي أكبر لو تؤمنوا أن الله هو حقاً أرحم الراحمين فتستيئسوا من رحمة عبيده جميعاً فتقولوا: وكيف ننتظر إلى يوم القيامة لعبيد الله المُقربين ليشفعوا لنا؟ فها أنتم تدعون خزنة جهنم أن يشفعوا لكم عند الله ولم يفعلوا، فكذلك عبيد الله المُقربون جميعاً لن يجرُؤوا أن يشفعوا لكم بين يدي ربكم يوم القيامة؛ بل سوف يقول الله لكم { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ } [يونس:28]. بمعنى أنكم لا تزالون تعتقدون أن عبادي المُقربين سيشفعوا لكم عند ربكم ولذلك تنتظرون لشفاعتهم لكم يوم القيامة.
تعالوا لننظر إلى النتيجة في علم الغيب في الكتاب، وقال الله: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(30) } صدق الله العظيم [يونس]
ومن ثم لم يفقه الكافرون ما يُريده الله منهم أن يسألوا ربهم مُباشرةً الذي هو أرحم بهم من عباده وحتى يقتنعوا من رحمة عبيده من دونه قال للمُشركين أن يدعوهم أن يشفعوا لهم عند ربهم لينظروا هل سوف يستجيبوا لهم، وقال الله تعالى: { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا } صدق الله العظيم [الكهف:52]. بل كفروا بشركهم وكانوا عليهم ضداً، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ﴿٨١﴾ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا(82)} صدق الله العظيم [مريم]
فقد كفروا بشركهم بالله بسبب المبالغة فيهم من بعد موتهم: { وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } صدق الله العظيم [يونس]. حتى إذا رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ليعلموا أن لا ملجأ لهم من عذاب ربهم إلا إليه أن يغفر لهم برحمته ولكنهم لم يتجرأوا أن يسألوا الله ذلك وخشعت الأصوات للحي القيوم لا تسمع إلا همساً.
وفجأةً..
تفاجأوا بعبدٍ يأذن الله له أن يخاطب ربه فإذا هو يُزيدهم هماً بغم فيرفع عليهم قضية عند ربهم أنهم حالوا بينه وبين تحقيق النعيم الأعظم ويرفض خلافة ربه على الملكوت، ويرفض دخول جنة ربه ويحاج ربه أن يُحقق له النعيم الأعظم من نعيم جنته. فإذا بالله يقول:عبدي ألم أجعلك خليفة ربك الشامل من قبل على ملكوت الدُنيا؟ وها أنا أجعلك خليفة ربك على ملكوت الآخرة؟ فإذا هو يقول: أعوذُ بك ربي أن أرضى بذلك حتى تُحقق لي النعيم الأعظم من ذلك كُله. فينظر أصحاب اليمين وأصحاب الشمال والمقربون إلى هذا الرجل ومن حشرهم الله في زمرته فإذا هم يرون زمرته يضحكون بالتبسم من دهشة عباد الله الصالحين لأنهم يعلمون بحقيقة اسم الله الأعظم وهم لا يزالون في الدُنيا؛ بل حقيقة اسم الله الأعظم هي الآية التي جعلها الله في قلوبهم حتى أيقنوا بحقيقة هذا العبد. وأما سبب تبسمهم هو لأنهم يعلمون بالمقصود من طلب هذا العبد لربه بتحقيق النعيم الأعظم؛ لأنهم سمعوا هذا العبد يعتذر لربه عن الخلافة على ملكوت الجنة ويُريد أن يحقق له النعيم الأعظم، مما أدهش ذلك الخطاب من العبد إلى الرب حتى عباد الله الصالحين فقالوا: ماذا يبغي وقد جعله الله خليفته على الملكوت كُلة في الدُنيا والآخرة؟! فإذا كان الله استخلف آدم على جنة لله في الأرض، فقد جعل الله هذا العبد خليفته على جنة المأوى فأي نعيم يُريد أعظم مما أعطاه الله إياه؟ فقد أعطاه ما لم يؤتِه لعبد في الوجود كُله! فهل هذا العبد قد أصابه الغرور ويُريد أن يكون هو الرب؟! فما خطبه وماذا دهاه إذ يرفض أن يكون خليفة ربه على جنة الملكوت الأعظم ويُريد تحقيق النعيم الأعظم منها، فأي نعيم هو أعظم من جنة النعيم؟! فيا للعجب في أنفسهم من غير تكلم، بل الدهشة ظاهرة على وجوههم مما أضحك ذلك زمرة هذا العبد فتراهم مُتبسمين وهم قائمون في زمرته بين يدي ربه إذ يحاج باسمه وباسمهم ربه أن يحقق له النعيم الأعظم، ويشكو إليه الكافرين الذين حالوا بينه وبين تحقيق النعيم الأعظم فلم يُجِبه ربه بعد!! ومن ثم جثى على أرض المحشر يبكي بكاءًا مريراً ويدعو ثبوراً كثيراً ويقول:(( يا حسرتي على نعيمي الأعظم فلمَ خلقتني يا إلهي واظُلماه فقد ظلمني عبادك الكافرون وحالوا بيني وبين تحقيق النعيم الأعظم يا من حرَّمت الظُلم على نفسك فما ذنب عبدك يا إلهي؟ )).
فأما الكافرون فظنوا أن يُفعل بهم فاقرة أكبر مما هم فيه بسبب هذا العبد الذي يرفع عليهم قضية إلى ربهم لم يعقلوه، وأما الصالحون فأصابتهم الدهشة من الخطاب لهذا العبد لربه برغم أنهُ القول الصواب!
فإذا بالمُفاجأة الكُبرى تأتي من الله أرحم الراحمين فيأذن لعبده وعباده جميعاً أن يدخلوا جنته فقد صار راضياً في نفسه ليتحقق النعيم الأعظم لعبده ومن على شاكلته من زُمرته، فسمع ذلك الكافرون أن الله قد رضي في نفسه على عباده فأدخلهم جميعاً في رحمته فأذن لعبده وجميع عباده أن يدخلوا جنته، ومن ثم يتفاجأ الكافرون من أهل النار، وقالوا لذلك العبد وزمرته: { قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } صدق الله العظيم [سبأ:23]
ومن ثم يتحقق النعيم الأعظم..
فذلك شأن المهدي المُنتظر الذي تجهلون قدره ولا تحيطون بسره الذي سوف يجعل الناس أُمةً واحدةً على صراطٍ مُستقيم فهو الوحيد الذي تحقق هُدى البشر في عصره جميعاً فهدى الله من أجله من في الأرض جميعاً لأنه يعبد رضوان نفس ربه كغاية وليس كوسيلة، وكيف يكون الله راضياً في نفسه حتى يُدخل عباده في رحمته! ولذلك خلقهم سبحانه ليعبدوا رضوان نفسه وتجدون الفتوى من الله عن بعث الإمام المهدي المُنتظر الذي سوف يهدي الله من أجله أهل الأرض جميعاً فيجعلهم أُمةً واحدةً على صراطٍ مُستقيم فتجدوا البُشرى ببعثه في قول الله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } صدق الله العظيم [هود:118-119]
وفي هذا الموضع يُفتيكم الله أنه ما قط تحقق هُدى الناس جميعاً في عصر بعث الأنبياء والمُرسلين بل لا يزالون مُختلفين فريقاً هدى الله وفريقاً حقت عليه الضلالة، ومن ثم استثنى بعث المهدي المُنتظر بقوله: { إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } صدق الله العظيم. أي إلا من رحمه الله فهدى من أجله أهل الأرض جميعاً فجعلهم أُمةً واحدةً على صراطٍ مُستقيم.
ولربما يود أحد السائلين أن يقاطعني فيقول: ما دامت في هذه الآية البُشرى من الله ببعث الإمام المهدي أفلا تفصّل لنا من القرآن البيان لهذه الآية في قول الله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } صدق الله العظيم [هود]. ومن ثم يرُد عليه الإمام المهدي بالحق حقيقٌ لا أقول إلا الحق، فأما البيان لقول الله تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } فتجدون بيان ذلك في قول الله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } صدق الله العظيم [يونس:99]، ومن ثم يكونون أمة واحدة على صراط مُستقيم.
وأما البيان الحق لقول الله تعالى: { وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } وتجدون البيان في قول الله تعالى: { فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُون } صدق الله العظيم [الأعراف:30]، ويقصد في عصر بعث الرُسل جميعاً من أولهم إلى خاتمهم فلم يتحقق هُدى أهل الأرض جميعاً فلا يزالون مُختلفين؛ أي فريقاً هدى الله وفريقاً حقت عليه الضلالة، ومن ثم نأتي إلى قول الله تعالى: { إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } صدق الله العظيم، أي إلا من رحم ربك فهدي الناس جميعاً من أجله ليتحقق له النعيم الأعظم من جنته، ولذلك خلقهم ليعبدوا نعيم رضوان نفس ربهم عليهم، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } صدق الله العظيم [الذاريات:56]
فما غركم في بعث الإمام المهدي يا أحباب قلبي المُسلمين؟ واقسمُ بالله العظيم الذي يهديني وإياكم إلى الصراط المُستقيم رب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم الذي يحيي العظام وهي رميم والذي أهلك عاداً بالريح العقيم أني الإمام المهدي المُنتظر خليفة الله على العالمين شئتم أم أبيتم! فإن أبيتم فسوف يُظهرني الله عليكم بعذاب يوم عقيم ومن ثم تؤمنون جميعاً فيمتعكم إلى حين ومن ثم تصيب البطشة الكُبرى قوماً مُجرمين، ولكن أكثركم لا يعلمون.
وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين..
أخو بني آدم في الدم من حواء وآدم الإمام ناصر مُحمد اليماني.