الإمام ناصر محمد اليماني
29 - 07 - 1428 هـ
13 - 08 -2007 مـ
10:56 مساءً
ـــــــــــــــــــ
يا حبيب تدبّر وتفكّــــــــر..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمدٍ رسول الله وجميع المرسلين وآلهم الطيبين الطاهرين وجميع الصالحين في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، أما بعد..
يا حبيب، إنّما علمني ربّي البيان الحقّ للقرآن العظيم لأنقذ المسلمين بالذات من فتنة المسيح الدجال وأبيّن لهم الأحاديث المدسوسة في سنة رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بمكرٍ خبيثٍ من قبل شياطين البشر من اليهود فاتّبعني أهدك صراطاً ـــــــــــ مُستقيماً.
وقد ذكر القرآن العظيم المهديّ المنتظَر والمسيح الدجال في موضعٍ واحدٍ معاً جاء ذكرهم وفي عدة مواضع متفرقة، وقال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٨٣﴾} صدق الله العظيم [النساء].
وإليكم التأويل الحقّ لهذه الآية وليس بالظنّ اجتهاداً مني والظنّ لا يُغني من الحقّ شيئاً بل بنص القرآن العظيم في نفس الموضوع وليس قياساً ولا اجتهاداً بل بالبيان الحقّ من نفس القُرآن ولا وحيٌ جديدٌ بل العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله الحقّ. وإليكم التأويل الحقّ بإذن الله بسؤال افتراضي:
ســـ 1: وماهي الطائفة من المؤمنين الذين يحضرون مجلس رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- للاستماع إلى أحاديث الرسول -صلّى الله عليه وآله وسلّم- ومن ثم إذا خرجوا من عنده يُبيّتون غير الذي يقوله عليه الصلاة والسلام؟
جـــ 1: إن تلك الطائفة هي طائفة المُنافقين من اليهود من شياطين البشر حضروا إلى محمدٍ رسول الله -صلى عليه وآله وسلم- وشهدوا بين يديه لله بالوحدانية ولمحمد -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، وذلك حتى يكونوا من صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- ظاهر الأمر ويُبطنون المكر ويريدون أن يكونوا من رواة الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يستمع إليهم بعض المؤمنين فيرون لهم أحاديث غير الذي قالها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ليصدوا المؤمنين عن سبيل الله فيفتنوهم عن طريق الحديث لأنهم علموا بأنهم لن يستطيعوا أن يفتنوهم عن طريق القرآن الذي وعد الله المؤمنين بحفظه من التحريف، وهذه الطائفة هي الطائفة التي ذكرها الله في سورة أخرى فأنزل سورة في شأنهم ومكرهم. قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴿١﴾ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٢﴾} صدق الله العظيم [المنافقون].
وذلك هو صدّهم عن الله ورسوله يُبيِّتون غير الذي يقوله عليه الصلاة والسلام، وأما بين يديه فيقولون الحقّ فيُعجب رسول الله قولهم وكذلك ليرى صحابته الحقّ بأنه أعجب رسول الله قولهم وذلك حتى يثقوا فيهم فيأخذوا عنهم، وذلك لأنهم سوف يُبيِّتون بعد الخروج غير الذي يقوله عليه الصلاة والسلام حتى يصدوا المؤمنين عن الحقّ وخصوصاً من بعد موت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ســـ 2: ولكن الله بيّن لمحمدٍ رسول الله شأنهم في سورة المُنافقون فلماذا لم يطردهم؟
جـــ 2: لم يقم رسول الله بطردهم، وذلك لأن الله أمره أن لا يطردهم وأن يعرض عنهم وإنما ليحذر منهم فقط، وقال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴿٨١﴾} صدق الله العظيم [النساء]، إذاً قد أمر الله رسوله بالإعراض عنهم.
ســ 3: ولماذا أمر الله رسوله أن يعرض عنهم فلا يطردهم؟
جـــ 3: لقد أمر الله رسوله أن لا يطردهم ليعلم من الذي سوف يُكذب بالبيان الحقّ للقرآن فيستمسك بحبل الله القرآن العظيم ممن سوف يعرض عنه ويزعم أنه يؤمن به ثم يستمسك بأحاديث تُخالف حديث الله جملةً وتفصيلاً، وذلك لأن القُرآن هو المرجع لسنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان من السنة ليس من عند الله ورسوله، فإن المؤمنين سوف يجدون بين الأحاديث المُفتراة وبين القُرآن اختلافاً كثيراً وذلك إذا تدبروا القُرآن المُحكم والواضح والبيّن وليس المُتشابه. وقال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾} صدق الله العظيم [النساء].
ســـ 4: وما هو الأمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به؟
جـــ 4: أما أمر {الْأَمْنِ} فهو قوله تعالى: {وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} صدق الله العظيم [الحشر:7]، وذلك لأنه من أطاع الله ورسوله فله الأمن في الحياة الدنيا ويأتي يوم القيامة آمناً.
وأما قوله {أَوِ الْخَوْفِ}: فذلك هو مكر شياطين البشر من اليهود ليظن المُسلمون بأنه أمرٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وأما المعنى لقوله {أَذَاعُوا بِهِ}: وذلك اختلاف عُلماء الأمّة في شأن الأمر في هذا الحديث، فمنهم من يقول إنه حقّ عن رسول الله، ومنهم من يُكذّب أنه عن رسول الله، ومنهم من يُضعِّفه أو يطعن في راويهِ ومن ثم يذيع الخلاف بين عُلماء الأمّة ولكنهم إذا ردّوه إلى القرآن العظيم فسوف يعلم حقيقة هذا الحديث أئمتهم أولي الأمر منهم فيستنبطون لهم الحكم الحقّ في شأن هذا الحديث فيثبتون أنه حقّاً من عند الله ورسوله بالبرهان بنص القرآن أو ينفوه فيقدمون البرهان بنص القرآن بأنه مُفترًى ولم يكن من عند الله ورسوله نظراً لأنهم وجدوا بأنّ بين هذا الحديث المُفترى وبين حديث الله اختلافا كثيراً، ومن هُنا علم أولي الأمر والذين هم أهل الذكر بأن هذا الحديث لم يكن من عند الله ورسوله نظراً لاختلافه مع حديث الله، ومن أصدق من الله حديثاً؟
ســـ 5: وما معنى قوله في نفس الآية: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}؟
جـــ 5: ويقصد المُسلمين، فإنّه لولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً، وذلك بأن اليهود استطاعوا أن يدسّوا أحاديث الباطل في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتكون ضدّ المهدي المنتظر، فيكذبه المسلمون فيتبعون خصمه الشيطان الرجيم الذي هو نفسه المسيح الكذاب وذلك لأن المهديّ المنتظَر لم يأتِ بكتاب جديد بل البيان الحقّ للقرآن، فيُبين لهم الحديث الحقّ من الحديث الباطل بمرجعيّة البيان الحقّ للقرآن، ولذلك أخاطب الناس بالقرآن والرجوع إليه ناظرين فيه نظرة التدبر كما أمرهم الله بذلك.
واليماني المُنتظر الذي هو نفسه المهديّ المنتظَر هو فضل الله عليكم ورحمته والمُنقِذ لكم ولولاه بإذن الله لاتَّبعتم الشيطان (المسيح الكذاب) يا معشر المسلمين إلا قليلاً، ولذلك يُسمى المهدي المنتظر(المنقِذ) أي المُنقذ للمسلمين من فتنة الشيطان الرجيم والذي هو نفسه المسيح الكذاب وقد بيّنا لكم لماذا يُسمى المسيح الكذاب: وذلك لأنه سوف يقول أنه المسيح عيسى ابن مريم ويقول أنه الله مُستغلاً البعث الأول ومُستغلاً عقيدة النصارى، حتى يُري الناس بأن المغضوب عليهم والضالين على الحقّ وأنّ المُسلمين الذين أنكروا ألوهية ابن مريم على الباطل، ولذلك قال الله تعالى مخاطباً المُسلمين وليس غيرهم فقال: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} صدق الله العظيم [النساء:83]. أي لاتَّبعوا المسيح الدجال لولا فضل الله عليهم ورحمته بالمهديّ المنتظَر والمنقذ، وأما ذكر المهدي في المواضيع الأخرى في القرآن العظيم فقد يسيئك ويسيء من قد صدق بهذا الأمر.
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿١٠١﴾ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ﴿١٠٢﴾} صدق الله العظيم [المائدة].
ومعنى قوله {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} أي منكرين فارتدوا بعد إيمانهم كافرين نظراً لأن عقولهم كبر عليها الموضوع فلم يصدقوا وسبب ذلك تراجعهم عن إيمانهم.
ومعنى قوله: {وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿١٠١﴾} أي يسألون رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- حين ينزل القرآن ما معنى هذه الآية ثم يبديها لهم رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بالبيان الحقّ فيبيّنها لهم تنفيذاً لأمر الله {لتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، ولكن الله قد عفى رسوله عن بيان بعض الآيات نظراً لأنهم لا يحيطون بها علماً، وعلى سبيل المثال قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كلّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴿٨٨﴾} [النمل].
فلو سألوا محمد رسول الله حين نزول هذه الآية عن معناها لأبداها لهم بالبيان الحق وقال لهم بأن الأرض تدور حول نفسها فترون القمر والشمس يشرقان من الشرق ويغيبان في الغرب بعكس دوران الأرض كما ترون السحاب والقمر، فترون القمر متجهاً شمالاً أو جنوباً وكأنَّ القمر هو من يتجه شمالاً أو جنوباً ولكن الحقيقة تعلمونها بأنها هي السحب تمر على وجه القمر، فإذا كانت متجهةً جنوباً فترون القمر متجهاً شمالاً بعكس اتجاه السحاب وذلك هو معنى قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كلّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} صدق الله العظيم، وليس ذلك يوم القيامة كما يزعم الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، وسوف ينفي تأويلهم قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كلّ شَيْءٍ} بأن ذلك من صنع الله حدث مُستمر الحركة.
وما أريد قوله بأنَّ محمداً رسول الله لو قام بتأويل هذه الآية إن سُئِل عنها حين نزولها لأساءت من قد آمن معه نظراً لأنهم لا يحيطون بعلمها ويحسبون الأرض والجبال جامدة ولا حركة مُستمرة وسوف يرتدون بعد إيمانهم كافرين. تصديقاً لقوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} أي منكرين لها وهذه ليست مسألة فقهية بل آية عقائدية.
ويا حبيب، والذي نفسي بيده لو أذكرُ لك المواضع القرآنية التي تكلمت عن المهديّ المنتظَر بأنه قد يستاء من قد آمن بشأني نظراً للشأن العظيم الذي سوف يناله المهديّ المنتظَر عند ربه، ولكن أكثر المسلمين يجهلون قدره ولا يحيطون بسره، وقدره عند ربّه ومقامه الرفيع في الدرجة الرفيعة فلا تجبرني على أن أفصِّلها تفصيلاً فتكون سبب فتنة من قد آمن، فإن أصرَرْتَ فإلى ذمتك من افتتن من الذين قد آمنوا بشأني ومهما فصّلتُ لكم فلا ينبغي لي أن أتجاوز العبودية لربي مهما كرّمني ربّي ورفع مقامي فلا أزال عبداً وأموت عبداً وأُبعث عبداً لله ربّ العالمين..
الإمام ناصر محمد اليماني.
29 - 07 - 1428 هـ
13 - 08 -2007 مـ
10:56 مساءً
ـــــــــــــــــــ
يا حبيب تدبّر وتفكّــــــــر..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمدٍ رسول الله وجميع المرسلين وآلهم الطيبين الطاهرين وجميع الصالحين في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، أما بعد..
يا حبيب، إنّما علمني ربّي البيان الحقّ للقرآن العظيم لأنقذ المسلمين بالذات من فتنة المسيح الدجال وأبيّن لهم الأحاديث المدسوسة في سنة رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بمكرٍ خبيثٍ من قبل شياطين البشر من اليهود فاتّبعني أهدك صراطاً ـــــــــــ مُستقيماً.
وقد ذكر القرآن العظيم المهديّ المنتظَر والمسيح الدجال في موضعٍ واحدٍ معاً جاء ذكرهم وفي عدة مواضع متفرقة، وقال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٨٣﴾} صدق الله العظيم [النساء].
وإليكم التأويل الحقّ لهذه الآية وليس بالظنّ اجتهاداً مني والظنّ لا يُغني من الحقّ شيئاً بل بنص القرآن العظيم في نفس الموضوع وليس قياساً ولا اجتهاداً بل بالبيان الحقّ من نفس القُرآن ولا وحيٌ جديدٌ بل العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله الحقّ. وإليكم التأويل الحقّ بإذن الله بسؤال افتراضي:
ســـ 1: وماهي الطائفة من المؤمنين الذين يحضرون مجلس رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- للاستماع إلى أحاديث الرسول -صلّى الله عليه وآله وسلّم- ومن ثم إذا خرجوا من عنده يُبيّتون غير الذي يقوله عليه الصلاة والسلام؟
جـــ 1: إن تلك الطائفة هي طائفة المُنافقين من اليهود من شياطين البشر حضروا إلى محمدٍ رسول الله -صلى عليه وآله وسلم- وشهدوا بين يديه لله بالوحدانية ولمحمد -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، وذلك حتى يكونوا من صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- ظاهر الأمر ويُبطنون المكر ويريدون أن يكونوا من رواة الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يستمع إليهم بعض المؤمنين فيرون لهم أحاديث غير الذي قالها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ليصدوا المؤمنين عن سبيل الله فيفتنوهم عن طريق الحديث لأنهم علموا بأنهم لن يستطيعوا أن يفتنوهم عن طريق القرآن الذي وعد الله المؤمنين بحفظه من التحريف، وهذه الطائفة هي الطائفة التي ذكرها الله في سورة أخرى فأنزل سورة في شأنهم ومكرهم. قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴿١﴾ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٢﴾} صدق الله العظيم [المنافقون].
وذلك هو صدّهم عن الله ورسوله يُبيِّتون غير الذي يقوله عليه الصلاة والسلام، وأما بين يديه فيقولون الحقّ فيُعجب رسول الله قولهم وكذلك ليرى صحابته الحقّ بأنه أعجب رسول الله قولهم وذلك حتى يثقوا فيهم فيأخذوا عنهم، وذلك لأنهم سوف يُبيِّتون بعد الخروج غير الذي يقوله عليه الصلاة والسلام حتى يصدوا المؤمنين عن الحقّ وخصوصاً من بعد موت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ســـ 2: ولكن الله بيّن لمحمدٍ رسول الله شأنهم في سورة المُنافقون فلماذا لم يطردهم؟
جـــ 2: لم يقم رسول الله بطردهم، وذلك لأن الله أمره أن لا يطردهم وأن يعرض عنهم وإنما ليحذر منهم فقط، وقال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا﴿٨١﴾} صدق الله العظيم [النساء]، إذاً قد أمر الله رسوله بالإعراض عنهم.
ســ 3: ولماذا أمر الله رسوله أن يعرض عنهم فلا يطردهم؟
جـــ 3: لقد أمر الله رسوله أن لا يطردهم ليعلم من الذي سوف يُكذب بالبيان الحقّ للقرآن فيستمسك بحبل الله القرآن العظيم ممن سوف يعرض عنه ويزعم أنه يؤمن به ثم يستمسك بأحاديث تُخالف حديث الله جملةً وتفصيلاً، وذلك لأن القُرآن هو المرجع لسنة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان من السنة ليس من عند الله ورسوله، فإن المؤمنين سوف يجدون بين الأحاديث المُفتراة وبين القُرآن اختلافاً كثيراً وذلك إذا تدبروا القُرآن المُحكم والواضح والبيّن وليس المُتشابه. وقال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّـهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ وَكِيلًا ﴿٨١﴾ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافا كَثِيرًا ﴿٨٢﴾} صدق الله العظيم [النساء].
ســـ 4: وما هو الأمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به؟
جـــ 4: أما أمر {الْأَمْنِ} فهو قوله تعالى: {وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} صدق الله العظيم [الحشر:7]، وذلك لأنه من أطاع الله ورسوله فله الأمن في الحياة الدنيا ويأتي يوم القيامة آمناً.
وأما قوله {أَوِ الْخَوْفِ}: فذلك هو مكر شياطين البشر من اليهود ليظن المُسلمون بأنه أمرٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وأما المعنى لقوله {أَذَاعُوا بِهِ}: وذلك اختلاف عُلماء الأمّة في شأن الأمر في هذا الحديث، فمنهم من يقول إنه حقّ عن رسول الله، ومنهم من يُكذّب أنه عن رسول الله، ومنهم من يُضعِّفه أو يطعن في راويهِ ومن ثم يذيع الخلاف بين عُلماء الأمّة ولكنهم إذا ردّوه إلى القرآن العظيم فسوف يعلم حقيقة هذا الحديث أئمتهم أولي الأمر منهم فيستنبطون لهم الحكم الحقّ في شأن هذا الحديث فيثبتون أنه حقّاً من عند الله ورسوله بالبرهان بنص القرآن أو ينفوه فيقدمون البرهان بنص القرآن بأنه مُفترًى ولم يكن من عند الله ورسوله نظراً لأنهم وجدوا بأنّ بين هذا الحديث المُفترى وبين حديث الله اختلافا كثيراً، ومن هُنا علم أولي الأمر والذين هم أهل الذكر بأن هذا الحديث لم يكن من عند الله ورسوله نظراً لاختلافه مع حديث الله، ومن أصدق من الله حديثاً؟
ســـ 5: وما معنى قوله في نفس الآية: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}؟
جـــ 5: ويقصد المُسلمين، فإنّه لولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً، وذلك بأن اليهود استطاعوا أن يدسّوا أحاديث الباطل في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتكون ضدّ المهدي المنتظر، فيكذبه المسلمون فيتبعون خصمه الشيطان الرجيم الذي هو نفسه المسيح الكذاب وذلك لأن المهديّ المنتظَر لم يأتِ بكتاب جديد بل البيان الحقّ للقرآن، فيُبين لهم الحديث الحقّ من الحديث الباطل بمرجعيّة البيان الحقّ للقرآن، ولذلك أخاطب الناس بالقرآن والرجوع إليه ناظرين فيه نظرة التدبر كما أمرهم الله بذلك.
واليماني المُنتظر الذي هو نفسه المهديّ المنتظَر هو فضل الله عليكم ورحمته والمُنقِذ لكم ولولاه بإذن الله لاتَّبعتم الشيطان (المسيح الكذاب) يا معشر المسلمين إلا قليلاً، ولذلك يُسمى المهدي المنتظر(المنقِذ) أي المُنقذ للمسلمين من فتنة الشيطان الرجيم والذي هو نفسه المسيح الكذاب وقد بيّنا لكم لماذا يُسمى المسيح الكذاب: وذلك لأنه سوف يقول أنه المسيح عيسى ابن مريم ويقول أنه الله مُستغلاً البعث الأول ومُستغلاً عقيدة النصارى، حتى يُري الناس بأن المغضوب عليهم والضالين على الحقّ وأنّ المُسلمين الذين أنكروا ألوهية ابن مريم على الباطل، ولذلك قال الله تعالى مخاطباً المُسلمين وليس غيرهم فقال: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} صدق الله العظيم [النساء:83]. أي لاتَّبعوا المسيح الدجال لولا فضل الله عليهم ورحمته بالمهديّ المنتظَر والمنقذ، وأما ذكر المهدي في المواضيع الأخرى في القرآن العظيم فقد يسيئك ويسيء من قد صدق بهذا الأمر.
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿١٠١﴾ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ﴿١٠٢﴾} صدق الله العظيم [المائدة].
ومعنى قوله {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} أي منكرين فارتدوا بعد إيمانهم كافرين نظراً لأن عقولهم كبر عليها الموضوع فلم يصدقوا وسبب ذلك تراجعهم عن إيمانهم.
ومعنى قوله: {وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿١٠١﴾} أي يسألون رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- حين ينزل القرآن ما معنى هذه الآية ثم يبديها لهم رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بالبيان الحقّ فيبيّنها لهم تنفيذاً لأمر الله {لتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، ولكن الله قد عفى رسوله عن بيان بعض الآيات نظراً لأنهم لا يحيطون بها علماً، وعلى سبيل المثال قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كلّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴿٨٨﴾} [النمل].
فلو سألوا محمد رسول الله حين نزول هذه الآية عن معناها لأبداها لهم بالبيان الحق وقال لهم بأن الأرض تدور حول نفسها فترون القمر والشمس يشرقان من الشرق ويغيبان في الغرب بعكس دوران الأرض كما ترون السحاب والقمر، فترون القمر متجهاً شمالاً أو جنوباً وكأنَّ القمر هو من يتجه شمالاً أو جنوباً ولكن الحقيقة تعلمونها بأنها هي السحب تمر على وجه القمر، فإذا كانت متجهةً جنوباً فترون القمر متجهاً شمالاً بعكس اتجاه السحاب وذلك هو معنى قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كلّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} صدق الله العظيم، وليس ذلك يوم القيامة كما يزعم الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، وسوف ينفي تأويلهم قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كلّ شَيْءٍ} بأن ذلك من صنع الله حدث مُستمر الحركة.
وما أريد قوله بأنَّ محمداً رسول الله لو قام بتأويل هذه الآية إن سُئِل عنها حين نزولها لأساءت من قد آمن معه نظراً لأنهم لا يحيطون بعلمها ويحسبون الأرض والجبال جامدة ولا حركة مُستمرة وسوف يرتدون بعد إيمانهم كافرين. تصديقاً لقوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} أي منكرين لها وهذه ليست مسألة فقهية بل آية عقائدية.
ويا حبيب، والذي نفسي بيده لو أذكرُ لك المواضع القرآنية التي تكلمت عن المهديّ المنتظَر بأنه قد يستاء من قد آمن بشأني نظراً للشأن العظيم الذي سوف يناله المهديّ المنتظَر عند ربه، ولكن أكثر المسلمين يجهلون قدره ولا يحيطون بسره، وقدره عند ربّه ومقامه الرفيع في الدرجة الرفيعة فلا تجبرني على أن أفصِّلها تفصيلاً فتكون سبب فتنة من قد آمن، فإن أصرَرْتَ فإلى ذمتك من افتتن من الذين قد آمنوا بشأني ومهما فصّلتُ لكم فلا ينبغي لي أن أتجاوز العبودية لربي مهما كرّمني ربّي ورفع مقامي فلا أزال عبداً وأموت عبداً وأُبعث عبداً لله ربّ العالمين..
الإمام ناصر محمد اليماني.