الإمام ناصر محمد اليماني
16 - 12 - 1430 هـ
04 - 12 - 2009 مـ
10:19 مساءً
ــــــــــــــــــــ
ماهو البيان الحقّ لقوله تعالى: { السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ }..
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ،والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله التوابين المتطهرين والتّابعين للحقّ إلى يوم الدين..
قال الله تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاس وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴿134﴾} صدق الله العظيم [آل عمران:134].
وإليكم البيان الحقّ للقرآن بالبرهان من محكم القرآن، وبالنسبة لبيان قول الله تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء } فتلك نفقة الغني من يُسرٍ رزقه الله فشكر وأقرض ربّه ابتغاء مرضات الله ثمّ يزيده الله من فضله، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ ربّكم لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }[إبراهيم:7].
وتصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} صدق الله العظيم [سبأ:39].
وذلك لكي يزداد بالإنفاق طمعاً في حُبّ الله وقربه ونعيم رضوان نفسه فيحسن إلى الله ربّه كما أحسنَ الله إليه. تصديقاً لقول الله تعالى: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } صدق الله العظيم [القصص:77].
ونفقة الغني الجبريّة كالزكاة تعادل في الكتاب كعشرِ أمثالها. تصديقاً لقول الله تعالى: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } صدق الله العظيم [الأنعام:160].
وأمّا نفقته الطوعيّة قُربةً إلى الله فهي تُضاعف في الكتاب كسبعمائة ضعف، تصديقاً لقول الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّة } صدق الله العظيم [البقرة:261]. فيجعله الله من عباده المقربين.
وأمّا بالنسبة لبيان قول الله تعالى: { وَالضَّرَّاء } صدق الله العظيم، فتلك صدقة الفقير على المسكين، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } صدق الله العظيم [الحشر:9].
ثم يحبّه الله فيجعله من أحبابهِ المقربين نظراً لأنه آثر ربّه على نفسه فأطعم الطعام على حبِّه وهو بحاجة إليه، مسكيناً أو يتيماً أو أسيراً، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ على حبِّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9) } صدق الله العظيم [الإنسان].
ثم يجعل الله هذا الفقير من عباده المقربين، ويشهد الله نفسه وملائكته أنّه قد غفر لعبده فلان ما تقدم من ذنبه وما تأخر فاقتحم العقبة، تصديقاً لقول الله تعالى: { فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ( 12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثمّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) } صدق الله العظيم [البلد].
ولكن نفقة الفقير الطوعيّة هي في الكتاب أكثر من سبعمائة ضعف، تصديقاً لقول الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }صدق الله العظيم [البقرة:261].
وإنما المضاعفة فوق ذلك هي لصدقة الفقير وهو في ضرٍّ فينفق من عُسْرٍ فيضاعفها له اللهُ أكثر من سبعمائة ضعف، وذلك لأن سبعمائة ضعف هي نفقة الغني في السرّاء فينفق من يُسْرٍ وذلك لأنّ نفقة الفقير في الضرّاء من عُسْرٍ هي أكبر عند الله بفارقٍ عظيمٍ ولذلك يُضاعفها أكثر من سبعمائة ضعف. تصديقاً لقول الله تعالى: { وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } صدق الله العظيم.
وذلك حتى يستطيع الفقراء أن يكونوا من المقربين..
ولكن توجد في الكتاب صدقة هي أكبر من صدقة الفقير ألا وهي صدقة المسكين إلى البائس الذي هو أشد فقراً منه، فلا يملك وجبة طعامٍ واحدةٍ أو ليس لديه غير كسوةٍ واحدةٍ باليةٍ، فإذا تصدق عليه المسكين فهي حقيقة أكبر عند الله من صدقة الفقير، وذلك حتى لا تكون حُجةٌ للفقراء على ربّهم فيقولوا: "سبقنا أهل الدثور بالأجور فجعلتهم من المقربين يا إله العالمين وأنت العدل، أليس للفقراء نصيب في ربّهم ليُنافسوا في حُبّه وقربه أيّهم أقرب؟"، ولذلك يضاعف الله صدقة الفقير أضعافاً مضاعفةً عن صدقة الغني حتى لا تكون لهم حُجةٌ على ربّهم بسبب فقرهم بأنهم لم يستطيعوا أن ينافسوا في حُبّ الله وقربه ليفوزوا بأقرب درجة إلى الرحمن التي لا تنبغي أن تكون إلا لعبدٍ واحدٍ.
وكذلك صدقة المسكين الذي يملك وجبةً واحدةً أو قيمتها فينفقها إلى البائس الفقير الذي هو أشدّ منه فقراً أو يعطيه من قيمة طعامه.
ثمّ نأتي لصدقة البائس إلى المُعتر، وهو إذا سأله أحد السائلين ويشكو إليه بأنه جائع ونظر إليه فعلم أنه أشدّ منهُ بُؤساً ثمّ أعطاه طعامه لوجه ربّه فبات وهو جائع فتلك هي من أعظم نفقات عباده المقربين من البائسين حتى لا تكون لهم الحجّة فيقولون: "يا إله العالمين لقد أمرت عبادك أجمعين في التنافس على حُبّك وقربك إلى الدرجة العالية التي لا تنبغي أن تكون إلا لعبدٍ من عبادك فهل ليس لعبادك البائسين أن ينافسوا عبادك في حُبّك وقُربك بسبب بُؤسهم؟" .
وحتى لا تكون لهم الحجّة على ربّهم إن لم يجعل منهم من المقربين بسبب بُؤسهم، وذلك لأن الإعلان إلى التنافس إلى الرب لم يأتِ فقط للأغنياء بل جاءت الدعوة إلى كافة عباد الله المؤمنين. تصديقاً لقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } صدق الله العظيم [المائدة:35].
فأمّا الفرض فهم فيه سواء لأنه على النّصاب والزكاة معلومة وهي فرض جبريّ في الكتاب، ولكن الفرق العظيم هو في نافلة النفقات الطوعيّة فهنا يوجد الفرق العظيم، فأصحاب اليمين أنفقوا النّفقة الجبريّة فأدّوا ما فرض الله عليهم خشية من ناره ولم يزيدوا على ذلك فأولئك نالوا رضوان الله عليهم فشكر لهم وغفر لهم ولم يكن في نفسه شيء عليهم، وأولئك هم المقتصدون في الكتاب لأنهم اقتصدوا في العمل الصالح فاكتفوا بتنفيذ ما فرض الله عليهم ولذلك سُمّوا بالمقتصدين ونالوا رضوان الله ولكنهم لم ينالوا حبّه وقُربه لأنّهُم لم يكونوا من السابقين بالخيرات بسبب فتنتهم بحُبّ الدُّنيا فلم يؤدوا إلا ما افترضه الله عليهم فنالوا رضوانه ولم ينالوا محبته، وذلك لأن حُبّ الله وحُب الدُّنيا لا يجتمعان في قلب عبده أبداً، ومهما زادهم الله من فضله فلن تجدوهم يطمعون في حُبّ الله وقربه بل يؤدّون ما فرض الله عليهم وهي الزكاة المعلومة في الكتاب لأنها ركن من أركان الإسلام.
ولكن المقربين يوجد بين قلوبهم وقلوب أهل اليمين اختلافاً كبيراً لأنّهم يجدون المُتعة والنّعيم في التقرب إلى ربّهم بنافلة النّفقات الطوعيّة في سبيل الله قٌربةً إلى ربّهم ويفرحون بالمال لكي يستمتعوا بالنفقة الطوعيّة ابتغاء رضوان الله وحُبّه والمزيد في قربه فيتنافسون على ربّهم أيّهم أحبّ وأقرب فأولئك هم السابقون بالخيرات في الكتاب، وهم من عباد الله المكرمين من الأنبياء والمقربين فجميعهم مُتنافسون إلى حُبّ الله وقربه أيّهم أقرب أولئك عباد الرحمن وأولئك هم الوفد المكرمون في الكتاب لم يتمّ حشرهم إلى النّار ولم يتمّ حشرهم إلى الجنّة.
فلربّما يودّ الحسين بن عمر أو المُدكر أو عبد الله طاهر أو أحد الأنصار السابقين الأخيار أن يُقاطع المهدي المُنتظر فيقول: "أفلا تفتِنا يا خليفة الله المُنتظر من مُحكم الذكر إلى أين يتمّ حشر هؤلاء المكرمون من البشر؟" . ومن ثمّ يردُّ عليهم المهدي المُنتظر:
أولئك يتمّ حشرهم من أرض المحشر إلى ذات الله الواحد القهّار كوفدٍ مكرمين فيرفعهم إلى الحجاب على منابر من نورٍ حتى لم يكن فاصل بينهم وبين وجه ربّهم إلا الحجاب، تصديقاً لقول الله تعالى: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً } صدق الله العظيم [مريم:85].
أولئك الوفد المكرمون ومنهم أتباع المهدي المُنتظر يتمّ حشرهم على منابرٍ من نورٍ { إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً } يغبطهم الأنبياء والشهداء وإنا لصادقون، فيخاطبهم ربّهم فيُكلمهم تكليماً فيقول لهم:
لقد عبدْتُم ربّكم لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنّته فما تريدون؟ فيقولون نُريد حُبّك وقُربك ونعيم رضوان نفسك لأننا استجبنا إلى دعوة الداعي على بصيرةٍ منك فعلمنا بالبيان الحقّ للقرآن، وقال: يا أيها الذين آمنوا اعلموا أنّ التنافس إلى الرحمن لم يكن حصريّاً للأنبياء والمرسلين فمن كان يحبّ الله فليتبع محمداً رسول الله والمهدي المنتظر وكافة الأنبياء والمرسلين فينافس عباد الله في حُبّ الله وقربه، فتدبرنا القول بعقولنا فوجدنا إنه يدعو إلى الحقّ ويهدي إلى الصراط المستقيم وقد كنا من قبل ذلك لمشركين بسبب الظنّ الذي لا يُغني من الحقّ شيئاً إنما المكرمون من عبادك هم الأنبياء والمرسلين وكنا نعتقد إنه لا يحق لنا أن نُنافسهم في حُبّك وقربك حتى بعثت إلينا الخبير بالرحمن؛ الإنسان الذي علمته البيان الحقّ للقرآن فلم نجده يدعونا إلى عبادته وتعظيمه من دون الرحمن ولم يقل كونوا عباداً لي من دون الرحمن بل قال كونوا ربّانيين واعبدوا ربّي وربّكم الله الرحمن الرحيم وتنافسوا على حبِّه وقربه ونعيم رضوان نفسه إن كنتم إياه تعبدون ولذلك خلقكم، ولم يدعُنا إلى تعظيم الأنبياء والمرسلين وبأنهم هم الوحيدون من عباد الله المكرمون من دون الصالحين بل يدعونا إلى عبادتك ربّنا وحدك لا شريك لك وعلمنا إنما هم عبادٌ لله أمثالنا من المسلمين فعلِمنا أنّ لنا الحقّ في ربّنا ما لأنبيائِه ورُسلِه، فدعانا إلى التنافس في حُبّك وقربك ونعيم رضوان نفسك فاستجبنا وتنافسنا على حُبّك وقربك ونعيم رضوان نفسك لأننا وجدنا أنّ برهان دعوته الحقّ في أنفسنا فوجدنا أنّ حُبّك وقربك ونعيم رضوان نفسك هو حقاً نعيم أكبر من جنتك ونحن على ذلك لمن الشاهدين".
ثمّ يقول لهم ربّهم: صدقتم ولذلك خلقتكم لتعبدوني فتتنافسون على حُبّي وقُربي ونعيم رضوان نفسي، فهل وجدتم أن حُبّي وقُربي ونعيم رضوان نفسي على عبادي هو حقاً نعيم أكبر من جنتي؟ فيقولون: بلى وربنا ونحن على ذلك لمن الشاهدين.
ثمّ يقول صدقتم ولذلك خلقتُكم وما خلقت ُعبادي إلا ليعبُدوني فيتنافسون على حُبّي وقُربي ونعيم رضوان نفسي وإنما جعلت الجنّة لمن أطاعني والنّار لمن عصاني وما خلقتُكم من أجل جنتي بل خلقتُ الجنّة من أجل عبادي وخلقت عبادي من أجلي وحدي لا شريك لي من عبيدي ليعبدون نعيم رضوان نفسي فيتنافسون على حُبّي وقُربي ونعيم رضوان نفسي ولذلك خلقتُهم.
ويا معشر الإنس والجان، أقسمُ بالله الرحمن الذي أنزل القرآن إني أنا (الإنسان) الذي علَّمه الله البيان للقرآن فلو اجتمع كافة عُلمائِكم من إنسكم وجنِّكم لهيمنتُ عليهم بسلطان العلم من مُحكم القرآن وإذا لم أستطِع فلستُ المهدي المُنتظر الحقّ من ربّكم.
ويا معشر الجنّ والإنس ذروا المُبالغة في عباد الله المرسلين فإنكم تعظمونهم بغير الحقّ بزعمكم أنهَّم الوحيدون المكرمون من دون الصالحين حتى أشركتم بالله ما لم يُنزل به سُلطاناً في محكم القرآن وإنما أمَرَهم الله أن يكونوا من المسلمين عباداً لله أمثالكم ولم يأمركم محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بتعظيمه بغير الحقّ وإنما هو من عباد الله أمثالكم. تصديقاً لقول الله تعالى:
{ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } صدق الله العظيم [يونس:72].
فلم يأمروكم أن تعظموهم بغير الحقّ فتجعلون الله حصرياً لهم من دون الصالحين بل أمرهم الله أن يكونوا من المسلمين فيكونوا ضمن المُتنافسين بين العبيد فيبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب فهم يرجون رحمته ويخافون عذابه مِثلكم، ولو قال لكم أحدُ الأنبياء والمُرسلين: بما إني عبدٌ مُكرمٌ في الكتاب فلا ينبغي لأحد أتباعي أن يكون أحبّ وأقرب مني في حُبّ الله وقُربه لأني رسول الله إليكم! فلو قال ذلك أحدٌ من جميع الأنبياء والمرسلين أو المهدي المنتظر خليفة الله ربّ العالمين لجعله الله من المُعذبين وألقى به في سواء الجحيم ولن يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، وما كان للأنبياء والمرسلين والمهدي المُنتظر أن يقولوا للناس إننا نحن عباد الله المكرمين فقط في الكتاب من دون الصالحين فلا ينبغي لكم أن تُنافسونا في حُبّ الله وقربه، بل أمرنا الله أن ندعوكم لعبادة الله وحده لا شريك له وأمرنا أن نكون من المسلمين عباداً لله أمثالكُم وأمركم أن تنافسوا كافة الأنبياء والمرسلين والمهدي المُنتظر في حُبّ الله وقُربه، ولم يأمرنا الله بحصر التنافُس على الأنبياء والمرسلين والمهدي المُنتظر بل دعوة التنافُس عامة لكافة عبيد الله ولذلك جعل صاحب الدرجة مجهولاً برغم حسد المهدي المنتظر الشديد وكافة الأنبياء والمرسلين المتحاسدين في ربّهم فكُلٌّ مِنّا يحسِد الآخر في حبّ الله وقربه ويريد أن يكون هو أقرب عبد إلى ربّ العالمين، ونِعْمَ الحسد فليس فيه غِلٌ ولكننا نحبُّ بعضنا حُبّاً شديداً ولكننا لا نحبّ بعضنا أكثر من الله فنشرك فمن فعل ذلك فقد أشرك بالله بل الله هو أشدُّ حباً في قلوبنا وإنما نُحب بعضنا من أجل حب الله بمعنى إننا نحب من يحبه الله ونبغض من يبغضه الله ولا ينبغي لأحدٍ منا أن يُفضّل الآخر في حُبّ الله وقربه بل كلّ منا يريد أن يكون هو أحبّ وأقرب إلى الرحمن، وإنما أدرك الحيلة المهدي المنتظر واكتشف الوسيلة فأُوتيها ثمّ رفضها فأنفقها لمحمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قُربةً إلى ربّه ليكون أحبّ وأقرب عباد الله جميعاً، ولا أزال مُستمراً في التنافس إلى حُبّ الله وقربه بكُل حرف من دعوتي فلا أريد به أجراً منكم ولكني حريصٌ على هُداكم ليزيدني الله بحُبّه وقربه بل أريد ان أهدي الأمم جميعاً حتى يتحقق رضوان الله على عباده وأشهدُ الله وكفى بالله شهيداً إني لا أستطيع أن أستمتع بنعيم الجنّة وحورها ما لم أعلم بأنّ الله راضٍ في نفسه، وليس رحمة مني بالعباد كلا وربي الله الواحد القهّار فلم أتحسر عليهم كمثل جدّي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بل لأني علمت بحسرة من هو أرحم بعباده من محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ومن المهدي المنتظر ومن كافة الأنبياء والمرسلين، الله أرحم الراحمين فعلمت ما يقول في نفسه حين يهلك عباده الكافرين برُسله: { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزءُون(30)أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ(31)وَإِنْ كلّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ(32) } صدق الله العظيم [يس].
فقلت صدق ربّي إنهُ حقاً أرحم الراحمين ويدعو عباده ليغفر لهم ذنوبهم فكيف يكفرون برحمة ربّهم وأعرضوا عن دعوة رُسله إلى رحمة الله وعفوه، وقال الله تعالى: { وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ (10) } صدق الله العظيم [إبراهيم].
وكذلك المهدي المنتظر يدعو كافة عباد الله من الجنّ والإنس بما فيهم إبليس وذُريته ومن كل جنس من الأمم جميعاً ما يدبُّ منها أو يطير إلى رحمة الله التي وسعت كلّ شيء على بصيرةٍ من ربّي ولم أقُل على ربّي الكذب، وقال الله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى ربّكم وَأَسْلِمُوا له مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثمّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن ربّكم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) } صدق الله العظيم [الزمر].
فاتَّبعوا آيات ربّكم التي أحاجّكم بها من مُحكم كتابه يفقهها عالمكم وجاهلكم وكُل ذي لسانٍ عربي منكم آياتٌ بينات مُحكمات هُنّ أمّ الكتاب، قرآن عربي مبين غير ذي عوج فهل أنتم مهتدون؟ فكيف تقولون لا يعلم تأويله إلا الله فتذروه وراء ظهوركم واتخذتموه مهجوراً من التّدبّر والتفكر في آيات الكتاب؟ وذروا مُتشابه القرآن فلم يجعل الله فيه الحجّة عليكم بل جعل الحجّة في آيات الكتاب المحكمات البينات التي يحاجكم بها المهدي المنتظر.
ويا معشر الشياطين من الجنّ والإنس، أقسمُ بالله العظيم إني لا أخدعكم وإنكم إذا أنبتم إلى ربّكم أنه سوف يهديكم كما هدى سحرة فرعون فجعلهم من المقربين وجعلهم من المكرمين وقد كانوا أولياء الشياطين الذين يعلمونهم السّحر فتذكروا قول الله تعالى يا عباد الله الذين أسرفوا على أنفسهم، أجيبوا الداعي إلى عفو الله وغفرانه فلا تستكبروا عن دعوة الحقّ إلى ربّكم ليغفر لكم إنهُ هو الغفور الرحيم، أم أنكم لا ترون إن هذه الآية محكمة إلى عباد الله جميعاً من الجنّ والإنس ومن كلّ جنس؟ وقال الله تعالى في محكم كتاب القرآن العظيم: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى ربّكم وَأَسْلِمُوا له مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثمّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن ربّكم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)} صدق الله العظيم [الزمر].
ويا أيها الشيطان إبليس الذي يرانا وقبيله من حيث لا نراهم من جنّة الفتنة من تحت الثرى إنّي أعلمُ بمكانك مما علّمني ربّي في كتابه وأعلمُ بمكرك جميعاً وإنّي بإذن الله لمُبطله جميعاً، وسوف يهدي الله بعبده كافة الأمم حتى لا يتَّبعك إلا من يعلم بأنّ الشيطان الرجيم عدو الله ثمّ يتخذه وليّاً من دون الله وهو يعلمُ أنّه الباطل من دون الله، إذاً لن ينفعك مكرك أنت وجميع جنودك من شياطين الجنّ والإنس فلن تُضِلوا في الأخير إلا أنفسكم فإني المهدي المنتظر المُنقذ بإذن الله كافة الأمم من فتنتك بالبعث الأول، فكيف تدَّعي الربوبية وقد كشفتُ لهم أمرك من قبل وبيَّنتُ لهم مكانك وجيوشك وأبطلتُ خطتك بالبيان الحقّ للقرآن العظيم، فلولا بعث المهدي المنتظر بالبيان الحقّ للقرآن العظيم من ذات القرآن لفتنت يا إبليس المسيح الكذاب الأحياء والأموات إلا قليلاً من المُخلصين من المؤمنين. تصديقاً لقول الله تعالى: { وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً } صدق الله العظيم [النساء:83].
وذلك لأني بيَّنت لهم أحاديثك المدسوسة في السُّنة النّبويّة عن طريق أوليائِك من شياطين البشر الذين يقولون على رسوله بغير الحقّ في أحاديث السُّنة النّبويّة. وقال الله تعالى: { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً } صدق الله العظيم [النساء:83].
وذلك هو المهدي المنتظر فضل الله على المسلمين وهم عن فضل الله مُعرضين، ولكن الله سوف يظهرني عليهم بآية من السماء وعلى النّاس أجمعين فتجعل أعناقهم من هولها خاضعين ولخليفة الله ساجدين مُنقادين طائعين وهم صاغرين، وليس سجود الجبين بل الطاعة سجوداً لأمر ربّهم أن يطيعوا خليفته المهدي المنتظر الذي يحاجُّهم بالبيان الحقّ للذكر فيدعوهم إلى عبادة الله ليغفر الله لهم فيدخلهم والناس أجمعين في رحمته إلا من أبى رحمة ربّه وأعرض عن داعي العفو والغفران من الرحمن لكافة الإنس والجانّ الذي يأتيهم بالبرهان للبيان الحقّ من ذات القرآن وليس مجرد تفسير من تفاسير الشيطان لعلمائِهم الذين يقولون على الله ما لا يعلمون ويحسبون أنهم مهتدون ويحسبون أنهم يهدون النّاس إلى صراطٍ مستقيم ثمّ يحرِّمون عليهم أن ينافسوا أنبياء الله ورسله فيبالغوا في أنبياء الله ورسله فيعظمونهم بغير الحق، وإنما أنبياء الله ورسله عبادٌ لله مسلمون وأمر الله كافة أنبيائِه ورسله أن يكونوا من المسلمين فلا يحصروا التكريم لهم بين يدي الله من دون المؤمنين فيكونوا من المُعذبين. وقال الله تعالى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثمّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كنتم تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كنتم تَدْرُسُونَ } صدق الله العظيم [آل عمران:79].
فتنافسوا على حُبّ الله وقربه إن كنتم إياه تعبدون، فلا تُعظِّموا أنبياءَ الله ورسله وإنما هم عبادٌ لله من المسلمين أمثالُكم. وقال الله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } صدق الله العظيم [آل عمران:64].
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
خليفة الله عبد النعيم الأعظم الإمام المهدي ناصر محمد اليماني.
16 - 12 - 1430 هـ
04 - 12 - 2009 مـ
10:19 مساءً
ــــــــــــــــــــ
ماهو البيان الحقّ لقوله تعالى: { السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ }..
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ،والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله التوابين المتطهرين والتّابعين للحقّ إلى يوم الدين..
قال الله تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاس وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴿134﴾} صدق الله العظيم [آل عمران:134].
وإليكم البيان الحقّ للقرآن بالبرهان من محكم القرآن، وبالنسبة لبيان قول الله تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء } فتلك نفقة الغني من يُسرٍ رزقه الله فشكر وأقرض ربّه ابتغاء مرضات الله ثمّ يزيده الله من فضله، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ ربّكم لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }[إبراهيم:7].
وتصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} صدق الله العظيم [سبأ:39].
وذلك لكي يزداد بالإنفاق طمعاً في حُبّ الله وقربه ونعيم رضوان نفسه فيحسن إلى الله ربّه كما أحسنَ الله إليه. تصديقاً لقول الله تعالى: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } صدق الله العظيم [القصص:77].
ونفقة الغني الجبريّة كالزكاة تعادل في الكتاب كعشرِ أمثالها. تصديقاً لقول الله تعالى: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } صدق الله العظيم [الأنعام:160].
وأمّا نفقته الطوعيّة قُربةً إلى الله فهي تُضاعف في الكتاب كسبعمائة ضعف، تصديقاً لقول الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّة } صدق الله العظيم [البقرة:261]. فيجعله الله من عباده المقربين.
وأمّا بالنسبة لبيان قول الله تعالى: { وَالضَّرَّاء } صدق الله العظيم، فتلك صدقة الفقير على المسكين، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } صدق الله العظيم [الحشر:9].
ثم يحبّه الله فيجعله من أحبابهِ المقربين نظراً لأنه آثر ربّه على نفسه فأطعم الطعام على حبِّه وهو بحاجة إليه، مسكيناً أو يتيماً أو أسيراً، تصديقاً لقول الله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ على حبِّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا (9) } صدق الله العظيم [الإنسان].
ثم يجعل الله هذا الفقير من عباده المقربين، ويشهد الله نفسه وملائكته أنّه قد غفر لعبده فلان ما تقدم من ذنبه وما تأخر فاقتحم العقبة، تصديقاً لقول الله تعالى: { فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ( 12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثمّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) } صدق الله العظيم [البلد].
ولكن نفقة الفقير الطوعيّة هي في الكتاب أكثر من سبعمائة ضعف، تصديقاً لقول الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }صدق الله العظيم [البقرة:261].
وإنما المضاعفة فوق ذلك هي لصدقة الفقير وهو في ضرٍّ فينفق من عُسْرٍ فيضاعفها له اللهُ أكثر من سبعمائة ضعف، وذلك لأن سبعمائة ضعف هي نفقة الغني في السرّاء فينفق من يُسْرٍ وذلك لأنّ نفقة الفقير في الضرّاء من عُسْرٍ هي أكبر عند الله بفارقٍ عظيمٍ ولذلك يُضاعفها أكثر من سبعمائة ضعف. تصديقاً لقول الله تعالى: { وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } صدق الله العظيم.
وذلك حتى يستطيع الفقراء أن يكونوا من المقربين..
ولكن توجد في الكتاب صدقة هي أكبر من صدقة الفقير ألا وهي صدقة المسكين إلى البائس الذي هو أشد فقراً منه، فلا يملك وجبة طعامٍ واحدةٍ أو ليس لديه غير كسوةٍ واحدةٍ باليةٍ، فإذا تصدق عليه المسكين فهي حقيقة أكبر عند الله من صدقة الفقير، وذلك حتى لا تكون حُجةٌ للفقراء على ربّهم فيقولوا: "سبقنا أهل الدثور بالأجور فجعلتهم من المقربين يا إله العالمين وأنت العدل، أليس للفقراء نصيب في ربّهم ليُنافسوا في حُبّه وقربه أيّهم أقرب؟"، ولذلك يضاعف الله صدقة الفقير أضعافاً مضاعفةً عن صدقة الغني حتى لا تكون لهم حُجةٌ على ربّهم بسبب فقرهم بأنهم لم يستطيعوا أن ينافسوا في حُبّ الله وقربه ليفوزوا بأقرب درجة إلى الرحمن التي لا تنبغي أن تكون إلا لعبدٍ واحدٍ.
وكذلك صدقة المسكين الذي يملك وجبةً واحدةً أو قيمتها فينفقها إلى البائس الفقير الذي هو أشدّ منه فقراً أو يعطيه من قيمة طعامه.
ثمّ نأتي لصدقة البائس إلى المُعتر، وهو إذا سأله أحد السائلين ويشكو إليه بأنه جائع ونظر إليه فعلم أنه أشدّ منهُ بُؤساً ثمّ أعطاه طعامه لوجه ربّه فبات وهو جائع فتلك هي من أعظم نفقات عباده المقربين من البائسين حتى لا تكون لهم الحجّة فيقولون: "يا إله العالمين لقد أمرت عبادك أجمعين في التنافس على حُبّك وقربك إلى الدرجة العالية التي لا تنبغي أن تكون إلا لعبدٍ من عبادك فهل ليس لعبادك البائسين أن ينافسوا عبادك في حُبّك وقُربك بسبب بُؤسهم؟" .
وحتى لا تكون لهم الحجّة على ربّهم إن لم يجعل منهم من المقربين بسبب بُؤسهم، وذلك لأن الإعلان إلى التنافس إلى الرب لم يأتِ فقط للأغنياء بل جاءت الدعوة إلى كافة عباد الله المؤمنين. تصديقاً لقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } صدق الله العظيم [المائدة:35].
فأمّا الفرض فهم فيه سواء لأنه على النّصاب والزكاة معلومة وهي فرض جبريّ في الكتاب، ولكن الفرق العظيم هو في نافلة النفقات الطوعيّة فهنا يوجد الفرق العظيم، فأصحاب اليمين أنفقوا النّفقة الجبريّة فأدّوا ما فرض الله عليهم خشية من ناره ولم يزيدوا على ذلك فأولئك نالوا رضوان الله عليهم فشكر لهم وغفر لهم ولم يكن في نفسه شيء عليهم، وأولئك هم المقتصدون في الكتاب لأنهم اقتصدوا في العمل الصالح فاكتفوا بتنفيذ ما فرض الله عليهم ولذلك سُمّوا بالمقتصدين ونالوا رضوان الله ولكنهم لم ينالوا حبّه وقُربه لأنّهُم لم يكونوا من السابقين بالخيرات بسبب فتنتهم بحُبّ الدُّنيا فلم يؤدوا إلا ما افترضه الله عليهم فنالوا رضوانه ولم ينالوا محبته، وذلك لأن حُبّ الله وحُب الدُّنيا لا يجتمعان في قلب عبده أبداً، ومهما زادهم الله من فضله فلن تجدوهم يطمعون في حُبّ الله وقربه بل يؤدّون ما فرض الله عليهم وهي الزكاة المعلومة في الكتاب لأنها ركن من أركان الإسلام.
ولكن المقربين يوجد بين قلوبهم وقلوب أهل اليمين اختلافاً كبيراً لأنّهم يجدون المُتعة والنّعيم في التقرب إلى ربّهم بنافلة النّفقات الطوعيّة في سبيل الله قٌربةً إلى ربّهم ويفرحون بالمال لكي يستمتعوا بالنفقة الطوعيّة ابتغاء رضوان الله وحُبّه والمزيد في قربه فيتنافسون على ربّهم أيّهم أحبّ وأقرب فأولئك هم السابقون بالخيرات في الكتاب، وهم من عباد الله المكرمين من الأنبياء والمقربين فجميعهم مُتنافسون إلى حُبّ الله وقربه أيّهم أقرب أولئك عباد الرحمن وأولئك هم الوفد المكرمون في الكتاب لم يتمّ حشرهم إلى النّار ولم يتمّ حشرهم إلى الجنّة.
فلربّما يودّ الحسين بن عمر أو المُدكر أو عبد الله طاهر أو أحد الأنصار السابقين الأخيار أن يُقاطع المهدي المُنتظر فيقول: "أفلا تفتِنا يا خليفة الله المُنتظر من مُحكم الذكر إلى أين يتمّ حشر هؤلاء المكرمون من البشر؟" . ومن ثمّ يردُّ عليهم المهدي المُنتظر:
أولئك يتمّ حشرهم من أرض المحشر إلى ذات الله الواحد القهّار كوفدٍ مكرمين فيرفعهم إلى الحجاب على منابر من نورٍ حتى لم يكن فاصل بينهم وبين وجه ربّهم إلا الحجاب، تصديقاً لقول الله تعالى: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً } صدق الله العظيم [مريم:85].
أولئك الوفد المكرمون ومنهم أتباع المهدي المُنتظر يتمّ حشرهم على منابرٍ من نورٍ { إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً } يغبطهم الأنبياء والشهداء وإنا لصادقون، فيخاطبهم ربّهم فيُكلمهم تكليماً فيقول لهم:
لقد عبدْتُم ربّكم لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنّته فما تريدون؟ فيقولون نُريد حُبّك وقُربك ونعيم رضوان نفسك لأننا استجبنا إلى دعوة الداعي على بصيرةٍ منك فعلمنا بالبيان الحقّ للقرآن، وقال: يا أيها الذين آمنوا اعلموا أنّ التنافس إلى الرحمن لم يكن حصريّاً للأنبياء والمرسلين فمن كان يحبّ الله فليتبع محمداً رسول الله والمهدي المنتظر وكافة الأنبياء والمرسلين فينافس عباد الله في حُبّ الله وقربه، فتدبرنا القول بعقولنا فوجدنا إنه يدعو إلى الحقّ ويهدي إلى الصراط المستقيم وقد كنا من قبل ذلك لمشركين بسبب الظنّ الذي لا يُغني من الحقّ شيئاً إنما المكرمون من عبادك هم الأنبياء والمرسلين وكنا نعتقد إنه لا يحق لنا أن نُنافسهم في حُبّك وقربك حتى بعثت إلينا الخبير بالرحمن؛ الإنسان الذي علمته البيان الحقّ للقرآن فلم نجده يدعونا إلى عبادته وتعظيمه من دون الرحمن ولم يقل كونوا عباداً لي من دون الرحمن بل قال كونوا ربّانيين واعبدوا ربّي وربّكم الله الرحمن الرحيم وتنافسوا على حبِّه وقربه ونعيم رضوان نفسه إن كنتم إياه تعبدون ولذلك خلقكم، ولم يدعُنا إلى تعظيم الأنبياء والمرسلين وبأنهم هم الوحيدون من عباد الله المكرمون من دون الصالحين بل يدعونا إلى عبادتك ربّنا وحدك لا شريك لك وعلمنا إنما هم عبادٌ لله أمثالنا من المسلمين فعلِمنا أنّ لنا الحقّ في ربّنا ما لأنبيائِه ورُسلِه، فدعانا إلى التنافس في حُبّك وقربك ونعيم رضوان نفسك فاستجبنا وتنافسنا على حُبّك وقربك ونعيم رضوان نفسك لأننا وجدنا أنّ برهان دعوته الحقّ في أنفسنا فوجدنا أنّ حُبّك وقربك ونعيم رضوان نفسك هو حقاً نعيم أكبر من جنتك ونحن على ذلك لمن الشاهدين".
ثمّ يقول لهم ربّهم: صدقتم ولذلك خلقتكم لتعبدوني فتتنافسون على حُبّي وقُربي ونعيم رضوان نفسي، فهل وجدتم أن حُبّي وقُربي ونعيم رضوان نفسي على عبادي هو حقاً نعيم أكبر من جنتي؟ فيقولون: بلى وربنا ونحن على ذلك لمن الشاهدين.
ثمّ يقول صدقتم ولذلك خلقتُكم وما خلقت ُعبادي إلا ليعبُدوني فيتنافسون على حُبّي وقُربي ونعيم رضوان نفسي وإنما جعلت الجنّة لمن أطاعني والنّار لمن عصاني وما خلقتُكم من أجل جنتي بل خلقتُ الجنّة من أجل عبادي وخلقت عبادي من أجلي وحدي لا شريك لي من عبيدي ليعبدون نعيم رضوان نفسي فيتنافسون على حُبّي وقُربي ونعيم رضوان نفسي ولذلك خلقتُهم.
ويا معشر الإنس والجان، أقسمُ بالله الرحمن الذي أنزل القرآن إني أنا (الإنسان) الذي علَّمه الله البيان للقرآن فلو اجتمع كافة عُلمائِكم من إنسكم وجنِّكم لهيمنتُ عليهم بسلطان العلم من مُحكم القرآن وإذا لم أستطِع فلستُ المهدي المُنتظر الحقّ من ربّكم.
ويا معشر الجنّ والإنس ذروا المُبالغة في عباد الله المرسلين فإنكم تعظمونهم بغير الحقّ بزعمكم أنهَّم الوحيدون المكرمون من دون الصالحين حتى أشركتم بالله ما لم يُنزل به سُلطاناً في محكم القرآن وإنما أمَرَهم الله أن يكونوا من المسلمين عباداً لله أمثالكم ولم يأمركم محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بتعظيمه بغير الحقّ وإنما هو من عباد الله أمثالكم. تصديقاً لقول الله تعالى:
{ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } صدق الله العظيم [يونس:72].
فلم يأمروكم أن تعظموهم بغير الحقّ فتجعلون الله حصرياً لهم من دون الصالحين بل أمرهم الله أن يكونوا من المسلمين فيكونوا ضمن المُتنافسين بين العبيد فيبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب فهم يرجون رحمته ويخافون عذابه مِثلكم، ولو قال لكم أحدُ الأنبياء والمُرسلين: بما إني عبدٌ مُكرمٌ في الكتاب فلا ينبغي لأحد أتباعي أن يكون أحبّ وأقرب مني في حُبّ الله وقُربه لأني رسول الله إليكم! فلو قال ذلك أحدٌ من جميع الأنبياء والمرسلين أو المهدي المنتظر خليفة الله ربّ العالمين لجعله الله من المُعذبين وألقى به في سواء الجحيم ولن يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، وما كان للأنبياء والمرسلين والمهدي المُنتظر أن يقولوا للناس إننا نحن عباد الله المكرمين فقط في الكتاب من دون الصالحين فلا ينبغي لكم أن تُنافسونا في حُبّ الله وقربه، بل أمرنا الله أن ندعوكم لعبادة الله وحده لا شريك له وأمرنا أن نكون من المسلمين عباداً لله أمثالكُم وأمركم أن تنافسوا كافة الأنبياء والمرسلين والمهدي المُنتظر في حُبّ الله وقُربه، ولم يأمرنا الله بحصر التنافُس على الأنبياء والمرسلين والمهدي المُنتظر بل دعوة التنافُس عامة لكافة عبيد الله ولذلك جعل صاحب الدرجة مجهولاً برغم حسد المهدي المنتظر الشديد وكافة الأنبياء والمرسلين المتحاسدين في ربّهم فكُلٌّ مِنّا يحسِد الآخر في حبّ الله وقربه ويريد أن يكون هو أقرب عبد إلى ربّ العالمين، ونِعْمَ الحسد فليس فيه غِلٌ ولكننا نحبُّ بعضنا حُبّاً شديداً ولكننا لا نحبّ بعضنا أكثر من الله فنشرك فمن فعل ذلك فقد أشرك بالله بل الله هو أشدُّ حباً في قلوبنا وإنما نُحب بعضنا من أجل حب الله بمعنى إننا نحب من يحبه الله ونبغض من يبغضه الله ولا ينبغي لأحدٍ منا أن يُفضّل الآخر في حُبّ الله وقربه بل كلّ منا يريد أن يكون هو أحبّ وأقرب إلى الرحمن، وإنما أدرك الحيلة المهدي المنتظر واكتشف الوسيلة فأُوتيها ثمّ رفضها فأنفقها لمحمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قُربةً إلى ربّه ليكون أحبّ وأقرب عباد الله جميعاً، ولا أزال مُستمراً في التنافس إلى حُبّ الله وقربه بكُل حرف من دعوتي فلا أريد به أجراً منكم ولكني حريصٌ على هُداكم ليزيدني الله بحُبّه وقربه بل أريد ان أهدي الأمم جميعاً حتى يتحقق رضوان الله على عباده وأشهدُ الله وكفى بالله شهيداً إني لا أستطيع أن أستمتع بنعيم الجنّة وحورها ما لم أعلم بأنّ الله راضٍ في نفسه، وليس رحمة مني بالعباد كلا وربي الله الواحد القهّار فلم أتحسر عليهم كمثل جدّي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - بل لأني علمت بحسرة من هو أرحم بعباده من محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ومن المهدي المنتظر ومن كافة الأنبياء والمرسلين، الله أرحم الراحمين فعلمت ما يقول في نفسه حين يهلك عباده الكافرين برُسله: { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزءُون(30)أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ(31)وَإِنْ كلّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ(32) } صدق الله العظيم [يس].
فقلت صدق ربّي إنهُ حقاً أرحم الراحمين ويدعو عباده ليغفر لهم ذنوبهم فكيف يكفرون برحمة ربّهم وأعرضوا عن دعوة رُسله إلى رحمة الله وعفوه، وقال الله تعالى: { وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ (10) } صدق الله العظيم [إبراهيم].
وكذلك المهدي المنتظر يدعو كافة عباد الله من الجنّ والإنس بما فيهم إبليس وذُريته ومن كل جنس من الأمم جميعاً ما يدبُّ منها أو يطير إلى رحمة الله التي وسعت كلّ شيء على بصيرةٍ من ربّي ولم أقُل على ربّي الكذب، وقال الله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى ربّكم وَأَسْلِمُوا له مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثمّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن ربّكم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) } صدق الله العظيم [الزمر].
فاتَّبعوا آيات ربّكم التي أحاجّكم بها من مُحكم كتابه يفقهها عالمكم وجاهلكم وكُل ذي لسانٍ عربي منكم آياتٌ بينات مُحكمات هُنّ أمّ الكتاب، قرآن عربي مبين غير ذي عوج فهل أنتم مهتدون؟ فكيف تقولون لا يعلم تأويله إلا الله فتذروه وراء ظهوركم واتخذتموه مهجوراً من التّدبّر والتفكر في آيات الكتاب؟ وذروا مُتشابه القرآن فلم يجعل الله فيه الحجّة عليكم بل جعل الحجّة في آيات الكتاب المحكمات البينات التي يحاجكم بها المهدي المنتظر.
ويا معشر الشياطين من الجنّ والإنس، أقسمُ بالله العظيم إني لا أخدعكم وإنكم إذا أنبتم إلى ربّكم أنه سوف يهديكم كما هدى سحرة فرعون فجعلهم من المقربين وجعلهم من المكرمين وقد كانوا أولياء الشياطين الذين يعلمونهم السّحر فتذكروا قول الله تعالى يا عباد الله الذين أسرفوا على أنفسهم، أجيبوا الداعي إلى عفو الله وغفرانه فلا تستكبروا عن دعوة الحقّ إلى ربّكم ليغفر لكم إنهُ هو الغفور الرحيم، أم أنكم لا ترون إن هذه الآية محكمة إلى عباد الله جميعاً من الجنّ والإنس ومن كلّ جنس؟ وقال الله تعالى في محكم كتاب القرآن العظيم: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى ربّكم وَأَسْلِمُوا له مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثمّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن ربّكم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)} صدق الله العظيم [الزمر].
ويا أيها الشيطان إبليس الذي يرانا وقبيله من حيث لا نراهم من جنّة الفتنة من تحت الثرى إنّي أعلمُ بمكانك مما علّمني ربّي في كتابه وأعلمُ بمكرك جميعاً وإنّي بإذن الله لمُبطله جميعاً، وسوف يهدي الله بعبده كافة الأمم حتى لا يتَّبعك إلا من يعلم بأنّ الشيطان الرجيم عدو الله ثمّ يتخذه وليّاً من دون الله وهو يعلمُ أنّه الباطل من دون الله، إذاً لن ينفعك مكرك أنت وجميع جنودك من شياطين الجنّ والإنس فلن تُضِلوا في الأخير إلا أنفسكم فإني المهدي المنتظر المُنقذ بإذن الله كافة الأمم من فتنتك بالبعث الأول، فكيف تدَّعي الربوبية وقد كشفتُ لهم أمرك من قبل وبيَّنتُ لهم مكانك وجيوشك وأبطلتُ خطتك بالبيان الحقّ للقرآن العظيم، فلولا بعث المهدي المنتظر بالبيان الحقّ للقرآن العظيم من ذات القرآن لفتنت يا إبليس المسيح الكذاب الأحياء والأموات إلا قليلاً من المُخلصين من المؤمنين. تصديقاً لقول الله تعالى: { وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً } صدق الله العظيم [النساء:83].
وذلك لأني بيَّنت لهم أحاديثك المدسوسة في السُّنة النّبويّة عن طريق أوليائِك من شياطين البشر الذين يقولون على رسوله بغير الحقّ في أحاديث السُّنة النّبويّة. وقال الله تعالى: { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً } صدق الله العظيم [النساء:83].
وذلك هو المهدي المنتظر فضل الله على المسلمين وهم عن فضل الله مُعرضين، ولكن الله سوف يظهرني عليهم بآية من السماء وعلى النّاس أجمعين فتجعل أعناقهم من هولها خاضعين ولخليفة الله ساجدين مُنقادين طائعين وهم صاغرين، وليس سجود الجبين بل الطاعة سجوداً لأمر ربّهم أن يطيعوا خليفته المهدي المنتظر الذي يحاجُّهم بالبيان الحقّ للذكر فيدعوهم إلى عبادة الله ليغفر الله لهم فيدخلهم والناس أجمعين في رحمته إلا من أبى رحمة ربّه وأعرض عن داعي العفو والغفران من الرحمن لكافة الإنس والجانّ الذي يأتيهم بالبرهان للبيان الحقّ من ذات القرآن وليس مجرد تفسير من تفاسير الشيطان لعلمائِهم الذين يقولون على الله ما لا يعلمون ويحسبون أنهم مهتدون ويحسبون أنهم يهدون النّاس إلى صراطٍ مستقيم ثمّ يحرِّمون عليهم أن ينافسوا أنبياء الله ورسله فيبالغوا في أنبياء الله ورسله فيعظمونهم بغير الحق، وإنما أنبياء الله ورسله عبادٌ لله مسلمون وأمر الله كافة أنبيائِه ورسله أن يكونوا من المسلمين فلا يحصروا التكريم لهم بين يدي الله من دون المؤمنين فيكونوا من المُعذبين. وقال الله تعالى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثمّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كنتم تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كنتم تَدْرُسُونَ } صدق الله العظيم [آل عمران:79].
فتنافسوا على حُبّ الله وقربه إن كنتم إياه تعبدون، فلا تُعظِّموا أنبياءَ الله ورسله وإنما هم عبادٌ لله من المسلمين أمثالُكم. وقال الله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } صدق الله العظيم [آل عمران:64].
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
خليفة الله عبد النعيم الأعظم الإمام المهدي ناصر محمد اليماني.